شبكة قدس الإخبارية

مخيّم بلاطة ومعادلات الاشتباك النوعي والعبوات الناسفة

6GP1r
أحمد الطناني

اقتحامات متكررة، حشود عسكرية غير مسبوقة، عشرات الآليات ومئات الجنود، في استهداف مخيّم لم يكن يوماً هامشياً أو متخلفاً عن المساهمة النوعية في كل محطات النضال الوطني الفلسطيني الكبرى، المخيّم الأكبر في الضفة الغربية الذي يعاني من إهمال رسمي واستهداف مستمر، لم يخلف عهده مع شعبه وقضيته وشهدائه، إنّه مخيّم بلاطة الواقع على مساحة 252 دونم داخل حدود مدينة نابلس، ويقطنه ما يقارب الـ42 ألف لاجئ فلسطيني.

عاصمة الانتفاضات

لم يتأخر مخيّم بلاطة يوماً عن طليعة أي ركب في مواجهة الاحتلال، فكان أول المستجيبين لشعلة انتفاضة الحجارة التي انطلقت من مخيّم جباليا، وكان المخيمان الأكبر فلسطينياً في نقاط الانطلاق للانتفاضة التاريخية للشعب الفلسطيني، التي شكّل فيها “بلاطة” البقعة التي تمددت منها الانتفاضة لتعمَّ الأراضي الفلسطينية المحتلة.

مع انطلاق انتفاضة الأقصى، كان مخيّم بلاطة على العهد، إذ شكّل المخيّم خزاناً للمقاومين الذين كانوا على عهد البطولة والفداء، وقدّم كوكبة كبيرة من أبنائه: مقاومين قادة ومقاتلين، استشهاديين ومشتبكين، مما دفع الاحتلال لشن عملية عسكرية واسعة استهدفت المخيّم عام 2002، تعرّض خلالها لاستهداف جوي من طيران الاحتلال، وآخر على الأرض بالقذائف المدفعية والرشاشات الثقيلة والمتوسطة من قِبل قوات الاحتلال، بهدف تصفية المقاومة في المخيّم الذي كان يُطلق عليه “رأس الحية” و”عش الدبابير” آنذاك، وامتدت المواجهة لنحو (10) أيام قبل اقتحام المخيّم الذي استمر لنحو (12) يوماً تخلّله اقتحامات شرسة لمنازل الأهالي بالجنود والكلاب البوليسية أدى إلى ارتقاء العديد من الشهداء والجرحى الفلسطينيين، وتدمير المخيّم.

انخراط مبكر في الاشتباك

مع إعادة جذوة وزخم الاشتباك المُسلح لساحات الضفة الغربية، وكعادته لم يتأخر مخيّم بلاطة عن دوره الطليعي، انخرط شباب المخيّم باكراً في الاشتباك، وشكّلت محطة اقتحام المستوطنين لمنطقة “قبر يوسف” نقطة الالتحام الأكبر، فتحولت عملية الاقتحام التي كانت تمر بهدوء، أو في أحسن الأحوال ببعض المواجهات الشعبية، إلى موعد مع اشتباكات كبيرة يخوضها المقاومون، الذين يتقدّمهم أبناء مخيّم بلاطة الذي يقع على تماس مباشر مع منطقة “القبر”.

قدّم مخيّم بلاطة ثلّة من أبنائه، شهداء منذ بداية زخم الاشتباك، وقد ساهم أبناء المخيّم في تصعيد زخم الاشتباك والمواجهة الذي دشّنه رفاقهم في البلدة القديمة، وامتدادهم الذي دشنته علاقة التكامل بين “عرين الأسود” و”كتيبة بلاطة” اللذي نجحا سوياً في تحويل اقتحامات “قبر يوسف” إلى تحدٍ أمني كبير للاحتلال الذي اضطُّر إلى اتخاذ إجراءات تأمينية غير مسبوقة في كل عملية اقتحام لمواجهة جحافل المقاومين الأبطال.

جرأة كبيرة وقفزات نوعية

لم تراوح مجموعات المقاومة في بلاطة مكانها، فإلى جانب توسّعها بشكل لافت، لم تكتفِ بأن تكوّن حالة “دفاعية” أو تنتظر اقتحامات “قبر يوسف” وتشتبك مع القوات المساندة، بل وبعد أن نجحت في تحويل كل اقتحام لمنطقة القبر، أو للمخيّم إلى معركة ملحمية، عكف مقاومو بلاطة على اشتقاق أدوات فعل أكثر تأثيراً وجرأة في معادلة المواجهة.

ساهم مقاومو بلاطة في إسناد كل مناطق نابلس في مواجهة اقتحامات الجيش وقدّم المخيّم مجموعة من مقاوميه شهداءً وجرحى باشتباكات مع قوات الاحتلال في مناطق أخرى في محافظة نابلس، وبشكل خاص في البلدة القديمة، التي لم تشهد مواجهة أو حصار أو اقتحام، إلا وكان أبطال مخيّم بلاطة كتفاً إلى كتف مع رفاقهم في البلدة القديمة مشتبكين.

إلى جانب توسّع المشاركة ومغادرة حيّز الاشتباك من المخيّم ومحيطه، كان لافتاً إعلان الاحتلال عن اعتقال مجموعة من الفدائيات من مخيّم بلاطة وبحوزتهن سلاح، كنّ في طريقهن لتنفيذ علمية استشهادية ثأراً لاستشهاد مجموعة من المقاومين، وبشكل خاص بعد استشهاد المقاوم إبراهيم النابلسي.

تعي أجهزة الأمن والاستخبارات الصهيونية أنّ باب الاستشهاديين إن فُتح، فإنّ المعركة ستتغير كل معادلاتها، وأنّ الضغط على مجتمع المستوطنين سيصل ذروته في ضوء حكومة مأزومة جاءت إلى مقعد الحكم حاملة أوهام فرض الأمن والقضاء على المقاومة.

لم تتوقف محاولات المخيّم عند هذه المحاولة، بل نشط مقاوموه في نصب الكمائن لسيارات ودوريات الاحتلال، وإطلاق النار على مستوطنات من نقاط اعتبرها جيش الاحتلال نقاط “ميتة” مما يعكس جرأة منقطعة النظير لمقاومي المخيّم، الذين ارتقى إثنان من قادته على مشارف مستوطنة “ألون موريه” بعد اشتباكهم مع قوة صهيونية نصبت كميناً لهم بعد عدة عمليات إطلاق نار فرضت حظر التجول على المستوطنين، مطبقين بالفعل لا بالقول المقولة الشهيرة “من يحاصر من؟”.

العبوات الناسفة والتطور النوعي

لم تمر آخر اقتحامات جيش الاحتلال لمنطقة “قبر يوسف” ومخيّم بلاطة، كالمعتاد، فمعادلة الاشتباك أصبحت العادة منذ عام ونصف لم يمر فيها اقتحام لا لمنطقة “القبر” ولا للمخيّم أو محيطه بدون أن تكون لرصاصات مقاومي بلاطة حاضرة، غير أنّ الجديد اللافت كان تدشين أداة جديدة من أدوات التصدي الفعال للآليات والجنود.

عبوات ناسفة بقوة انفجارية واضحة التأثير، عكست تطوراً رصدته جيداً أجهزة الأمن الصهيونية، التي آثرت أن تخفي خسائرها الحقيقية، وأعلنت عن إصابة واحدة لجندي بشظايا عبوة ناسفة، إلا أنّ ما وثّقته عدسات المواطنين لحجم وقوة الانفجارات يحسم بوضوح أنّ خسائر الاحتلال هي أكبر وأنّ العبوات ذات فعالية مؤثرة.

داهم الاحتلال مخيّم بلاطة أكثر من مرة خلال أسبوع، في إحداها حاصر منزلاً انفجرت داخله عدد من العبوات الناسفة التي ادعى أنّها كانت مُعدّة لتنفيذ عمليات ضد قوات جيشه، في حين كان الاقتحام الكبير للمخيّم في 22 أيار/ مايو محطة مهمة للاستخلاص حول عدد العبوات الناسفة التي استطاع مقاومو بلاطة إنتاجها، في ما أظهرت بيانات مجموعات المقاومة في المخيّم أنّها مقسومة إلى نوعين: الأول مُعد لاستهداف الأفراد، والنوع الثاني لاستهداف الآليات والدروع، وقد ادعى الاحتلال تفجيره لشقة سكنية كانت عبارة عن ورشة لتصنيع هذه العبوات.

يُعدّ إدخال العبوات الناسفة النوعية إلى ساحة المواجهة والاشتباك، انتقالاً لمستوى جديد من المواجهة، يفتح الباب أمام عمليات أكثر نوعية في استهداف أرتال آليات الاحتلال وجنوده، وتحويل عمليات الاقتحام إلى تهديد جدي لحياوات الجنود المقتحمين، إضافة إلى أّن تطور القدرات التصنيعية للمقاومين في مجال صناعة المتفجرات، يمهد الطريق أمام إبداعات جديدة ستقضّ مضاجع الاحتلال.

بالمحصلة، إنّ ما يدشّنه مخيّم بلاطة اليوم، هو إعادة لزخم ووتيرة الاشتباك والمواجهة التي تراجعت في الأسابيع الأخيرة بعد موجة التصعيد في رمضان، حيث كثّف الاحتلال من ضرباته التي استهدفت معاقل المقاومة في جنين ونابلس، ليتقدّم مخيّم بلاطة اليوم وكعادته التاريخية حاملاً لواء تصعيد المواجهة عبر شباب الثأر والتحرير، أبطال كتيبة بلاطة الذين يدشّنون معادلات جديدة في شكل وطبيعة وأدوات مقارعة الاحتلال، وتبشّر بأيام قادمة تتصاعد فيها المقاومة وأثرها وقوة فعلها.

 

#مخيّم بلاطة