شبكة قدس الإخبارية

"ثأر الأحرار" في الميزان الاستراتيجي.. نتنياهو الخاسر الأكبر

130523_GAZA_AKH_3_00 (2)
أيمن الرفاتي

 

بعد انتهاء معركة "ثأر الاحرار" بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال، عمد رئيس وزراء حكومة العدو بنيامين نتنياهو إلى ترويج تحقيقه نقاطاً مهمة للكيان، وأنه باغتيال ستة أعضاء من المجلس العسكري لسرايا القدس، الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، استطاع ردع المقاومة ككل في قطاع غزة، إلّا أنه، بعد أيام على انتهاء المعركة، طُرحت أسئلة مهمة على طاولة المنظومة الأمنية وكبار المحللين في "دولة" الاحتلال، بشأن ماهية الهدف الاستراتيجي الذي تحقق من هذه المعركة؟ وهل فرضت المعركة أجندتها فوق المعركة الداخلية بين الائتلاف الحكومي والمعارضة، وأجَّلت الضغط والتأكُّل الداخلي، والذي وصل لأول مرة إلى صفوف الجيش؟

إن هذه الأسئلة وغيرها باتت، بعد أيام من انتهاء المعركة، محل دراسة لدى المختصين في "دولة" الاحتلال، في ظل مؤشرات واضحة تفيد بأن الأهداف التي وضعها نتنياهو وناقشها مع المستويين الأمني والعسكري لم تحقق مفعولاً كبيراً أو طويل الأمد فيما يتعلق بالمخاطر المحدقة بالاحتلال، داخلياً وخارجياً.

على المستوى التكتيكي، يرى نتنياهو أنه نجح في اغتيال عدد لا بأس به من قادة الصف الأول في الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، وأثبت للجميع القدرات الاستخبارية والعسكرية العالية للجيش الاسرائيلي، ويرى أنه استطاع زرع الخلاف والشقاق بين حركتي حماس والجهاد الإسلامي. ومن ناحية أخرى، أوصل رسالة بالنار إلى "محور المقاومة"، تفيد بجاهزيته للمواجهة العسكرية على رغم الخلافات الداخلية التي تعصف بالكيان، إلّا أنه يرى أن المشكلة والمعضلة تتركزان على عدم قدرته على تحقيق أي إنجاز استراتيجي.

وتتمثّل الأهداف الاستراتيجية التي تُطرح بشأن المعركة مع المقاومة في قطاع غزة بالقدرة على ردع المقاومة الفلسطينية، وفصل جبهة غزة عن الضفة الغربية، وإحباط عمل المقاومة في الضفة، وإنهاء فكرة وحدة الساحات، وفرض حالة من الهدوء طويل الأمد مع قطاع غزة عبر توجيه ضربة إلى القدرات العسكرية للفصائل الفلسطينية، وإثارة الحاضنة الشعبية على المقاومة وتوجهاتها.

اعتقد نتنياهو، وفق التصور الذي وضعه للعدوان الأخير على غزة، أن في إمكانه كسب الجانب التكتيكي وتحويله إلى نقاط قوة شخصية وذاتية له يمكن من خلالها القفز على الأزمة الداخلية، وتقوية الائتلاف الحكومي، وردع المقاومة الفلسطينية. وكان يعتقد أن الفرصة سانحة، إلّا أن حساباته تحطمت منذ اليوم الأول على صخرة تكتيكات المقاومة، التي فاجأته بالصمت المحكم، ثم بالقصف المركّز على منطقة الوسط، التي تُعَدّ الأخطر على مستقبله السياسي.

وعلى مدار خمسة أيام من المواجهة، لم يستطع نتنياهو تحقيق أي من الأهداف الاستراتيجية بالنسبة إليه، ولم تسر الأمور كما خطط من أجلها، بل عمدت المقاومة إلى إحراجه ومفاجأته منذ اليوم الأول، حتى إنه لم يحصل على صورة الردع، إذ استمر إطلاق الصواريخ إلى ما بعد دخول التهدئة حيّز التنفيذ، بينما أُطلق في اليوم التالي للتهدئة صاروخ آخر كان – باعتقادي - مقصوداً كنوع من تأكيد المقاومة أن سياسة الردع لم تنجح. 

استفاقت المؤسَّستان الأمنية والعسكرية لدى الاحتلال مؤخَّراً، واعترفتا على لسان مصدر مسؤول فيها لصحيفة "معاريف" بأن تصريحات نتنياهو بشأن "تغيير المعادلة" بعد العملية العسكرية الأخيرة في غزة "مبالغ فيها"، معرباً عن عدم الرضا عن تلك التصريحات وعن العملية وإدارتها ونتائجها، إلّا أنها تفضّل بث خط متواضع فيما يتعلق بالاستفادة من نتائجها، وهذا ما طلبه رئيس أركان الجيش هيرتسي هاليفي.

وفي الإطار ذاته أيضاً، جاءت تصريحات المحللين العسكريين في "دولة" الاحتلال معارِضةً لحالة الاحتفال التي قدمها نتنياهو بعد انتهاء المعركة، بحيث أكد عاموس هرئيل، المحلل العسكري لصحيفة "هآرتس" العبرية، أنه بعد أيام من جولة القتال ظهرت حالة من التوتر، وأُجريت مشاورات أمنية متعددة لمتابعة "مسيرة الأعلام"، وهو ما يؤكد أن "إسرائيل" غير مقتنعة إطلاقاً بانتصارها، ولا تزال تخشى رد فعل عنيفاً من غزة.

اللواء في الاحتياط تامير هايمن، مدير معهد دراسات الأمن القومي، أكد، في مقال له بعنوان "من دون استراتيجية.. الجولة المقبلة ستصل قريباً"، أنه على رغم تحقيق نجاحات عسكرية وتكتيكية ضد حركة الجهاد الإسلامي، فإن هذا يوضح أن "إسرائيل" تتصرّف، منذ أعوام، من دون استراتيجية ورؤية واضحتين أمام الجمهور، إذ إن مشكلة غزة لم تُحَلّ، وحماس تواصل زيادة قوتها ولم تتضرر، بينما لم تغيّر العملية العسكرية شيئاً على المستوى الاستراتيجي.

من ناحية ثانية، لم تستطع المعركة الحالية تصدير الأزمة الداخلية في "دولة" الاحتلال إلى الخارج. وعلى الرغم من توقف جزئي للتظاهرات ضد الحكومة، فإنها في طريقها إلى العودة بقوة خلال الفترة المقبلة، في ظل الخلافات الداخلية بين الائتلاف الحكومي، وسط مطالب إيتمار بن غفير بإقرار قوانين السيطرة على القضاء، وابتزازه نتنياهو مرة أخرى، وهو ما سيُعيد الأوضاع إلى ما قبل رمضان الماضي.

روّج جيش الاحتلال أنه وجّه خلال الجولة الأخيرة رسالة إلى "محور المقاومة"، مفاده أنه على الرغم من الخلافات الداخلية فإن ردوده ستكون كبيرة وقوية، ولن يسمح باستغلال الخلافات في مهاجمة "دولة" الاحتلال، لكن الجيش ذاته كان يخشى، خلال المعركة الأخيرة، مجرد توجيه اتهام إلى حركة حماس، التي هي جزء أساسي وأصيل من الغرفة المشتركة لفصائل المقاومة، خشية توسع المعركة وإمكان الدخول في سيناريو إطالة أمد المعركة، أو انتقال المعركة من غزة إلى جبهات أخرى، ولا يزال سيناريو الإطلاق متعدد الجبهات على الكيان في شهر رمضان حاضراً أمام قادة الجيش، ويمثل لهم هاجساً حقيقياً.

بكل المقاييس، فإن نتنياهو خسر خلال المعركة الحالية من الناحية الاستراتيجية، فالمقاومة الفلسطينية لم ترتدع، ولا تزال تُراكم قوتها وتستعد للجولة المقبلة، وجُلّ تفكيرها أن تكون الحرب المقبلة متعددة الجبهات، كما أنها تواصل إشعال الثورة في الضفة، بينما لا يزال فتيل الأزمة الداخلية لدى الاحتلال يشتعل ويقترب من الانفجار. وعلى الصعيد الشخصي لنتنياهو، فإن ما حصده من إنجازات شخصية من أجل تحسين وضعه الانتخابي، والمحافظة على تماسك الائتلاف الحكومي، بدأ يتلاشي بصورة أسرع مما هو متوقع، بحيث عاد حزب "الليكود" إلى التراجع في استطلاعات الرأي، وعادت التظاهرات والانتقادات بوتيرة أكبر، واشتعلت الخلافات مجدداً بين نتنياهو وبن غفير.