شبكة قدس الإخبارية

العصيان والإضراب.. المقدسيون والأسرى يدشّنون المواجهة

fGvmD
أحمد الطناني

تزامن يوم الأحد التاسع عشر من شباط/ فبراير 2023 دخول أحياء وقرى ومخيّمات القدس في عصيان مدني شامل، مع صدور بيان لجنة الطوارئ الوطنية العليا للحركة الوطنية الأسيرة في سجون الاحتلال الذي أعلن فيه الأسرى استمرارهم في خطواتهم التصعيدية.
الأسرى والمقدسيون، كانوا أول الأهداف على أجندة وزير الأمن القومي الصهيوني المتطرف “إيتمار بن غفير” الساعي للانتقام من كل ما هو فلسطيني، حيث دأب منذ تولّيه حقيبته الوزارية على إعداد الخطط للانقضاض على كل تفصيل من تفاصيل الحياة اليومية للفلسطينيين في القدس، والأمر سيان بتحويل كل لحظة اعتقال للأسرى، إلى لحظات من جحيم.
الهجمة على الأسرى
أعلن “بن غفير” أنّه لن يقبل باستمرار “الامتيازات” التي يتمتع بها الأسرى الفلسطينيون في سجون الاحتلال، معتبراً أنّها مظاهر رفاهية لا يجب أن يتمتع بها أعداء الكيان، واضعاً خطة واضحة تستهدف الحركة الأسيرة تشمل إحداث تنقلات كبيرة، سحب كل المنجزات، إنهاء الفرز حسب الانتماء الحزبي للأسرى، وإلغاء موقع المتحدث باسم الأسرى والعديد من العناوين التي سبق أن أعدّتها إدارة مصلحة السجون في إطار الانتقام من الأسرى خصوصاً بعد عملية “نفق الحرية”.
لم تتوقف إجراءات “بن غفير” عند التضييقات المعتادة بل تعدّتها لتصل لحد المساس بالـ”خبز” الذي يخبزه الأسرى، وصولاً لتحديد عدد دقائق استخدام المياه ومرات الاستحمام للأسير، في تعبير مريض عن طبيعة العقلية التي تُحرك هذا المتطرف الفاشي وفريقه.
لم تكن الحركة الأسيرة في أي مرحلة لقمة سائغة، فلم يقبل الأسرى بتاريخهم الحافل على امتداد مسيرة النضال الوطني الفلسطيني أن يقدّموا الدَّنيّة أو يمنحوا الاحتلال ما يريده بتشييد سجون تقتل الروح النضالية وتُعدم كل هو إنساني في الأسير، بل على الدوام كانت مسيرة التضحيات مستمرة للحركة الأسيرة التي نجحت في انتزاع حقوقها من بين فكوك كل الحكومات الصهيونية المتعاقبة.
يعي الأسرى تماماً أنّ السجن هو محطة نضالية أخرى وساحة جديدة للمواجهة مع المحتل، وهم كما عوّدونا جاهزين للمضي في معارك الصمود حتى الرمق الأخير في مواجهة إجراءات السجان التي تهدف لإعدامهم معنويا.
بركان الحرية أو الشهادة
اختار الأسرى عنواناً واضحاً لمعركتهم مع السجان من خلفه “بن غفير” والحكومة الصهيونية المتطرفة، فما يجري من إجراءات جعل الجمر يغلي بين الأسرى وصولاً لثورة البركان الذي لن يُخمد إلا بتحقيق مطالب الأسرى، أو الخوض في المعركة ضد السجان حتى الشهادة.
كتب الأسرى في بيانهم أنّ اختيارهم لعنوان معركتهم “بركان الحرية أو الشهادة” نابع من موازاة السقف الذي يحدده العنوان بحجم التحدي وحجم العدوان الذي يستهدفهم، مؤسسين بهذه المعركة لمرحلة جديدة من المواجهة بين عدو غاشم حاقد وفلسطيني صلب مكافح. واثقين في تحقيقهم نصراً عزيزاً مؤزّراً وحرية تامة.
معركة الأسرى تتطلب تظافر كل الجهود على كافة الأصعدة، جماهيريا، سياسيا، إعلامياً وعلى صعيد الرأي العام الدولي وتحريك الشوارع الغربية نصرة لنداء أسرى خلف القضبان يحاول الاحتلال تجريدهم من كل معاني الإنسانية التي يكفلها القانون الدولي.
أهالي القدس يبدأون معركتهم بالعصيان
دشّن أهالي القدس وبشكل خاص مخيّم شعفاط وحي جبل المكبر مواجهتهم مع حملة “بن غفير” الأمنية الواسعة التي تستهدف التواجد الفلسطيني في القدس، بالإعلان عن عصيان مدني واسع واغلاق مداخل القرى والمخيّم والإضراب عن العمل والحركة وتصعيد المواجهة مع قوات الاحتلال.
ترتكز حملة “بن غفير” على الانتقام من كل شيء يمكن أن يشكّل شريان حياة للفلسطيني، وجّه شرطته لممارسة عملية القرصنة والسرقة وسلب كل ممتلكات وأموال قائمة من عائلات الأسرى والأسرى المحررين القاطنين في القدس وأحيائها، في إجراءات تُدلل على إفلاسه وعقليته الإجرامية اللصوصية.
لم تكن تجربة العصيان المدني، ولا الإضراب الشامل هي تجارب حديثة للمقدسيين، ويعرف الاحتلال تماماً أنّ إرادة الشعب الفلسطيني في القدس هي إرادة حديدية صلبة، ومعاركهم حركت العالم كله وليس فقط الشعب الفلسطيني والأمتين العربية والإسلامية، وليست معركة “سيف القدس” التي انطلقت من باب العامود وحي الشيخ جرّاح ببعيدة.
العصيان المدني في مخيّم شعفاط رداً على حصار المخيّم عقب عملية الشهيد “عدي التميمي” كاد أن يُشعل كل الضفة تضامناً مع شعفاط، لولا تدارك وزير الأمن الداخلي الصهيوني في حينه واتخاذ قرار برفع الحصار عن المخيّم سريعاً وبدون تحقيق هدف.
اليوم، يتواجه “بن غفير” مع منسّق شرطته حول الإجراءات التي يطلب “بن غفير” فرضها على أحياء القدس، في حينه يعارضها قادة شرطة الاحتلال وأجهزته الأمنية لإدراكهم أنّ التصعيد بهذا الشكل مع المقدسيين كفيل بإشعال المنطقة.
رمضان المُشتعل
أعلن الأسرى في بيانهم الأخير أنّ معركتهم تبدأ بالعصيان، إلا أنّها ستتوَّج بإضراب مفتوح عن الطعام ينطلق في الأول من شهر رمضان، ليلتحم الأسرى مع المسرى في معركة كبرى حول أقدس المقدسات في فلسطين، معتبرين أنّ الإنسان الفلسطيني مُلتحم مع مسرى رسول الله ومهد السيد المسيح.
لطالما مثّل الأسرى والقدس عنوانين يُجمع كل الشعب الفلسطيني على قدسيتهما وقدسية نصرتهما، وبالتالي فإنّ تزامن انطلاق إضراب الأسرى مع أول أيام شهر رمضان يمثّل تلاقي جميع مسببات الاشتعال والمواجهة والانفجار في وجه الاحتلال الذي يُصر على العبث في كل مقدسات الشعب الفلسطيني.
بالرغم من محاولات التبريد الأمريكية والإقليمية المستمرة للمنطقة منعاً للانفجار في رمضان القادم، إلا أنّ إصرار الاحتلال على ذرّ الرماد في العيون والمضي قدماً في إجراءاته العدوانية التي تستهدف الشعب الفلسطيني في كل أماكن تواجده، وفي المقدمة منهم المقدسيين والأسرى، يجهض كل المحاولات التي لن تبرح مكانها ولن تساوي شيئاً أمام معاناة أسير، ولا بكاء طفلة، ولا هدم منزل، ولا الاعتداء على مرابطي المسجد الأقصى، فشعبنا الفلسطيني ملّ الوعود الفارغة التي لا تخدم سوى الاحتلال وأذنابه في المنطقة.
تحمل الأيام القادمة لشعبنا الفلسطيني استحقاقات كبيرة وأياماً فاصلة أمام عدوان صهيوني متصاعد وتواطؤ دولي وقح، وهو ما يتطلب من كل فلسطيني وعربي وحُرّ أن يكون على قدر المسؤولية في لحظة تاريخية فارقة، والتاريخ لن يرحم كل من تخاذل وتأخر.

 

#القدس #الاحتلال #الأسرى #رمضان #الانتفاضة #الشهادة #الحرية #بن غفير #العصيان المدني