شبكة قدس الإخبارية

عملية القدس المزدوجة.. دلالات التوقيت والمكان

1669190391-2256-21
هيئة التحرير

رام الله - خاص قدس الإخبارية: شكلت عملية القدس المزدوجة، اليوم الأربعاء 23 نوفمبر 2022، ضربة أمنية جديدة للاحتلال الإسرائيلي بعد أسابيع قليلة فقط من عملية الشهيد محمد صوف في مستوطنة آرئيل قرب سلفيت بالضفة المحتلة.

العملية التي كانت حيثياتها وتفاصيلها مختلفة من ناحية التنفيذ عبر استخدام عبوات ناسفة تم تفجيرها عن بعد وأوقعت في حصيلتها النهائية قتيلا و47 مصابا، 23 منهم لا يزالون في المستشفيات بينهم 3 بوضع حرج وخطير حسب اعتراف الاحتلال.

وإلى جانب ذلك، فإن المكان الذي تم اختياره لتنفيذ العملية يبدو هو الآخر له رمزيته ويعني استمرار تصاعد وتيرة العمليات في القدس المحتلة رغم الإجراءات الأمنية المشددة التي يتخذها الاحتلال في المدينة لوقف تنفيذ العمليات وملاحقة المقاومين.

اللافت بالنسبة للاحتلال أن العملية الأولى في القدس التي وقعت في موقف للحافلات نتجت عن عبوة ناسفة وضعها شخص على دراجة كهربائية، بينما وقع الانفجار الثاني قرب مستوطنة "راموت"، غربي القدس المحتلة، نتيجة تفجير دراجة نارية.

ومنذ بداية عام 2022 سجلت مدن الضفة والقدس المحتلتين والداخل تنفيذ عشرات العمليات التي كسرت معها حاجز القتلى الإسرائيليين الذين قتلوا عام 2015 خلال انتفاضة القدس والبالغ عددهم 29 قتيلاً، حيث رفعت عمليتي القدس المزدوجتين الحصيلة الإجمالية إلى أكثر من 30 قتيل وعشرات الإصابات.

من الطعن والدهس إلى التفجير.. محطات فاصلة

شكل عام 2015، عامًا مفصلياً بالنسبة للفلسطينيين في الضفة المحتلة حينما اندلعت شرارة الهبة التي أطلق عليها لاحقاً وصف الانتفاضة من بعض الجماهير الفلسطينية، لما رافقها من إنهاء حقبة امتدت من 2007 إلى 2014، سعت فيها المنظومة الأمنية الإسرائيلية بالتنسيق مع السلطة الفلسطينية لتكبيل الضفة أمنياً ومحاولة أدلجة الجيل الناشئ عبر الإغراءات المالية والتسهيلات الاقتصادية.

ومع فشل هذه السياسة الإسرائيلية، جاءت هذه الهبة لتسجل تغيرًا واضحًا في العمل المقاوم بالضفة المحتلة أعاد الفلسطينيين عمومًا لأجواء الانتفاضة الأولى التي اندلعت شرارتها عام 1987، عبر وسائل بدائية بسيطة مثل الطعن والدهس.

ورغم عدد العمليات الكبير حينها إلا أن اللافت أن هذه الهبة صاحبها الفعل الفردي في تنفيذ العملية نظرًا لبساطة العمل المقاوم وقلة الإمكانيات، مع ذلك فقد سجلت هذه الهبة قرابة 29 قتيلاً في احصائية كانت هي الأعلى منذ عام 2005.

ومع محاولة الاحتلال ضبط المشهد لاحقًا عبر سلسلة من التسهيلات والإجراءات الاقتصادية التي قدمها في الضفة شهدت الضفة حالة من الهدوء النسبي مع بقاء العمليات قائمة بوتيرة أقل عن عام 2015 إلا أن عمليات الدهس والطعن بقيت حاضرة.

وشكلت معركة "سيف القدس" عام 2021 نقطة تحول مفصلية في العمل المقاوم بالضفة المحتلة حينما تم الإعلان عن تشكيل "كتيبة جنين" في البيان الذي تلاه حينها الشهيد جميل العموري، وكانت رسالته واضحة إلى الضفة الغربية، لا تطلقوا الرصاص في الهواء، واشتبكوا مع جيش الاحتلال عند كل اقتحام، وهاجموا المستوطنين على الشوارع.

بعد هذا البيان الذي ألقي في مخيم جنين، بدأت مرحلة جديدة من الاشتباك مع الاحتلال، تركزت في البداية في جنين ومخيمها، وقاد الاشتباكات جميل العموري، الذي خشي الاحتلال أن يتحول إلى ملهم للشباب، فقام باغتياله في يونيو 2021، أي بعد حوالي شهر من إلقائه البيان، وقد استشهد في عملية الاغتيال ثلاثة من عناصر الاستخبارات العسكرية الفلسطينية.

كان استشهاد جميل العموري بمثابة التحول الأهم في الضفة الغربية، تشكلت بعد استشهاده مجموعة عرفت باسم "مجموعة الشهيد جميل العموري" والتي كانت تضم أصدقاءه وأفراد مجموعته، لكن بعد تحرر الأسرى الستة من سجون الاحتلال في سبتمبر 2021، تم الإعلان رسميا عن انطلاق كتيبة جنين، كمجموعة عسكرية تعمل في إطار سرايا القدس الذراع العسكري لحركة الجهاد الإسلامي.

تبع ذلك، ظهور مجموعات جديدة للمقاومة محسوبة على بقية الأذرع العسكرية مثل مجموعة تتبع للقسام في جنين وأخرى لشهداء الأقصى في ذات المحافظة الواقعة شمالي الضفة المحتلة، وكانت المهمة تتمثل في الاشتباك المباشر مع الاحتلال.

و جاء ظهور مجموعة "عرين الأسود" غير المؤطرة أو المحسوبة على أي من الفصائل الفلسطينية، لتضفي تطورا جديدا على الفعل المقاوم، وساهمت المجموعة في زيادة وتيرة المقاومة عبر الاشتباك مع الاحتلال وتنفيذ عمليات تجاه جنود ومستوطني الاحتلال في مدينة نابلس خصوصاً في البؤر الاستيطانية.

وامتدت هذه الظاهرة لتشهد الإعلان عن كتيبة بلاطة وأخرى في طولكرم إلى جانب الحديث عن مجموعات للمقاومة الفلسطينية في جنوب الضفة وتحديداً في الخليل، وهو الأمر الذي يخشى الاحتلال منه خلال الفترة المقبلة عبر تمدد المقاومة أفقياً ورئيسياً.

التفخيخ والتفجير.. هاجس إسرائيلي من العودة لسنوات الانتفاضة

لا تعتبر عملية التفجير المزدوجة التي وقعت اليوم في القدس المحتلة هي الأولى حيث تكررت هذه العمليات بأنماط أخرى مختلفة في عدة مناطق فضلاً عن محاولات مماثلة مثل العملية التي وقعت في الأغوار حينما انفجرت السيارة التي كانت تقل المنفذين وهي محملة بالعبوات الناسفة.

وخلال الفترة الأخيرة تكررت هذه المحاولات كثيرًا في عدة مناطق حيث بات من الواضح سعي المقاومين الفلسطينيين لاستخدام هذا السلاح بصورة كبيرة والعمل على تطويره قدر المستطاع من أجل خدمة العمل العسكري إلى جانب الأسلحة النارية.

ولسنوات كانت عمليات التفجير مصدر قلق ورعب بالنسبة للاحتلال والمؤسسة الأمنية نظرًا لصعوبة التعقب الأمني والأعداد الكبيرة التي كانت توقعها هذه العمليات خصوصاً في مراكز المدن المحتلة عام 1948، وهو هاجس بات الاحتلال يخشى منه حاليًا.

بين التكتيك والاستراتيجيات.. ماذا تعني عملية القدس؟!

تعتبر عملية القدس مفاجئة في الشكل والتوقيت، فضلاً عن سهولة وصول المنفذين إلى مكان العملية واختيار التوقيت والانسحاب بهدوء دون أن يتمكن الاحتلال من اعتقالهم بشكلٍ سريع وفوري رغم حديثه المتكرر عن استنفاره في الضفة والقدس.

وتعكس العملية حجم التجهيز والعمل عليها بشكلٍ دقيق لا سيما أنها جاءت في توقيت سياسي حساس لدى الاحتلال الإسرائيلي، بوجود تغيير حكومي جديد ورحيل حكومة يئير لابيد بعد تكليف بنيامين نتنياهو بتشكيل الحكومة الجديدة إثر فوز تحالفه.

ويمثل نجاح هذه العملية مصدر إلهام للمقاومين للعودة إلى مثل هذا النمط من العمليات، والدخول في مرحلة جديدة من المواجهة، بحيث تكون الفترة المقبلة أكثر صدامية وإيلاماً للاحتلال، مع تصاعد التهديدات الإسرائيلية والمشاريع الاستيطانية في الضفة والقدس المحتلتين.

#المقاومة #تفجير #عملية القدس