شبكة قدس الإخبارية

هل حقا رفع الحصار عن نابلس وما حقيقة الـ 700 حاجز في الضفة

23511dd304486055992a3d7e1e2a45f5
عزات جمال

توارثنا حكمة بليغة جاءت على شكل طرفة، تحكي قصة رجل شكا لملك ضيق بيته، فأمر الملك بإدخال بقرته والماعز والديك تباعا لداخل بيته، وكان يسأل في كل مرة عن حاله، فكانوا يجيبونه بأن حاله يزداد سوء، حتى لم يعد يحتمل الوضع الجديد

ثم أمر بإخراج البقرة والماعز والديك تباعا حتى عاد البيت لحالته السابقة، فسأل الملك عن حالة الرجل، فجاءت إليه الإجابة بأنه يشعر بالسعادة!

بهذا المنطق حدثنا قبل أيام د. محمد اشتية رئيس وزراء السلطة الفلسطينية وهو يشرح لسفراء وقناصل عدد من الدول الأجنبية الذين قدموا لزيارة نابلس، المدينة التي ذاع صيت عرينها فغدت محل الأنظار في الآونة الأخيرة بسبب النموذج المتقدم الذي باتت تقدمه، متجاوزة كل وسائل الترغيب والترهيب التي مورست عليها للانفضاض عن نصرة شباب العرين المقاوم، حتى أدرك الاحتلال استحالة ذلك، فعاقب ساكنيها بضرب الحصار عليها، في محاولة لعزل المقاومة عن حاضنتهم الشعبية، إضافة لممارسة المزيد من الضغوط على السلطة لقمع الحالة التي باتت مستعصية

لذا يدرك المتابع أن السرعة في تناول أخبار رفع الحصار واستجلاب السفراء لنابلس في زيارة شكلية، لا تخلو من دلالات سياسية وأمنية، تحرص عليها السلطة أكثر من حرصها على المصالح العامة للشعب الفلسطيني، وشرح أوجه معاناته للعالم في ظل الاحتلال.

فلقد كان الأجدر بالدكتور اشتية أن يذهب لحارة الياسمينة ليري السفراء كيف تم استهداف البيوت المدنية بقذائف التحصينات لقتل شباب الشعب الفلسطيني الذين تواجدوا في بيوتهم وبين أهلهم!

 

أو يريهم كيف دخل جيش الاحتلال لقلب رام الله واغلق الجمعيات الحقوقية الفلسطينية وصادر محتويات مقراتها، دون أن يرمش له جفن في انتهاك واضح لك السيادة التي تتغنى بها السلطة الفلسطينية

لكنه لم يفعل ببساطة لأن الأمر يتعلق بالمواجهة الحقيقية مع الاحتلال، وهذا الدور الذي تتهرب منه السلطة الفلسطينية وتكتفي بمحاولات الدفاع عن نفسها أمام اتهامات الاحتلال لها بالتقصير في قمع الحراك الثوري المتصاعد في الضفة الغربية التي سأمت من كل سياسات السلطة وارتهان موقفها للاحتلال والمجتمع الدولي الذي يقف في صف الاحتلال.

وبالعودة للعنوان الذي انطلقت منه هل أصبح التعايش مع هذا الكم الكبير من الحواجز الاحتلالية التي حولت الضفة الغربية إلى معازل شيء أصبح اليوم من المسلمات؟

يحيط بمدينة نابلس كمثال عن المدن الفلسطينية في الضفة، لوحدها 14 حاجز احتلالي يحيط بالمدينة كما يحيط السوار المعصم، منها زعترة وحوارة ويتسهار وعورتا وبيت فوريك إضافة لحواجز أخرى مازلت على حالها ولم ترفع قبل أو بعد زيارة السفراء.

وقد صرح مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية " ocha " في سبتمبر من العام 2011 بأن هناك 522 حاجز يعرقل حركة الفلسطينيين في الضفة، تنقسم لأنواع عدة منها الثابت والطيار والبوابات وغيرها من الأنواع الأخرى التي تؤثر على حياة المدنيين.

وقد عاد نفس المكتب التابع للأمم المتحدة يذكر في العام 2018 بأن العدد قد زاد على 700 حاجز تقيد حركة المركبات والفلسطينيين في الضفة الغربية، إضافة لما وثقته عشرات الدراسات والوثائق عن انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في حرية التنقل، وعدم مراعاة أبسط الحقوق الإنسانية، عندما تم توثيق شهادات لمرضى وحوامل ومصابين تم تركهم لساعات على هذه الحواجز والبوابات، وقد فارق الحياة بعضهم بسبب خطورة حالته الصحية وعدم تمكنه من تلقي خدمة طبية طارئة كان بأمس الحاجة لها.

كل ذلك مع كل أسف تتجاهله السلطة الفلسطينية ومؤسساتها الرسمية، وتداعت سريعا تهرول لنابلس للتأكيد للعالم بأن شعبنا لا يقاوم وأن نابلس مسالمة، في تجاهل تام لأصل المشكلة، وهي أن الاحتلال يحاصر المدن والقرى والمخيمات عبر جدار الفصل العنصري والبوابات والحواجز، التي حولت الضفة لكنتونات منفصلة لكل منها بوابة حديدية يقف على بابها الجنود يتحكمون بالداخل والخارج

هذه الحقائق المهمة توجب على شعبنا أن يتقدم لأخذ زمام المبادرة ورفض هذا الواقع المأساوي، الذي يعيشه بشكل يومي وأن يعلي الصوت قولا وعملا لإزالة هذه الحواجز في ظل تصاعد الشعور الوطني وتنامي الحالة الثورية في الضفة، التي جاءت لتصحيح ما أفسدته سنوات مشروع السلام المزعوم والارتهان للتسوية السياسية التي زادت من تغول الاحتلال ومستوطنيه وانعكست سلبا على كل مناحي الحياة، في ظل ترهل النظام السياسي للسلطة الذي لم يشهد تجديد دماء منذ سبعة عشر سنة، وانتشار الفساد والمحسوبية بشكل كبير في جميع المؤسسات التي باءت عبئ كبير على كاهل شعبنا.