شبكة قدس الإخبارية

عمال غزة.. رواتب متدنية وإجراءات سلامة منعدمة

314153441_682393170135230_6021184665017651601_n
هيئة التحرير

غزة– يوسف أبو وطفة

(أُنجز هذا التقرير بدعم من أريج)

لم يتوقع الشاب الفلسطيني ياسين القصاص أن يكون اليوم الأول من عمله في أحد المخابز في قطاع غزة هو الأخير، نظراً لإصابته بحروق في وجهه من الدرجة الثانية، تسببت في توقفه عن العمل من أجل استكمال علاجه.

ورفض مالك المخبز الذي عمل فيه القصاص تحمل مسؤولية إصابة مستخدمه، ما دفع القصاص لرفع شكوى عمالية رسمية لدى وزارة العمل في غزة، من أجل الحصول على تعويض مالي بسبب الضرر الذي لحق به، يمكّنه من استكمال العلاج.

ويعد القصاص واحداً من عشرات الحالات التي دفعتها الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها القطاع، حيث ترتفع معدلات الفقر والبطالة بشكل قياسي، إلى العمل في مخبز يفتقر لأدنى مقومات السلامة المهنية، فالمهم بالنسبة إليه كان الحصول على فرصة عمل ليعيل أسرته.

وفي جولة سريعة قام بها معد التحقيق على بعض المنشآت المهنية في قطاع غزة، تبين أنها في مجملها تفتقر لأدنى وسائل السلامة، حيث مصانع صغيرة لمواد التنظيف لا تتوفر فيها التهوية المناسبة ولا أدوات وقاية للعاملين، ما يتسبب للبعض بحروق وإصابات، وكذلك ورشات حدادة ونجارة وحتى مخابز وغيرها غير مؤهلة لحماية العامل من خطر وقوع حوادث خلال عملهم.

غياب إجراءات السلامة والوقاية

يقول القصاص إن المخبز الذي عمل فيه لم تتوفر فيه أية إجراءات سلامة أو وقاية للتعامل مع الحرائق حال اندلاعها، إلى جانب عدم قيام صاحب المخبز بتوفير أي تأمين صحي للعاملين في المخبز، وهو الأمر الذي دفع ياسين القصاص للجوء إلى مقاضاة صاحب المخبز.

ووفق العامل الفلسطيني، فإنه كان من الممكن أن يلجأ إلى الحل الودي حتى رغم إصابته فيما لو تعهد صاحب المنشأة بعلاجه أو تعويضه عن الضرر الذي لحق به جراء الحروق التي أصابت وجهه، إلا أن ذلك لم يتحقق، بفعل تنصل مالك المخبز من المسؤولية تماماً.

ويضيف: "الإصابة وقعت في تشرين الثاني/ نوفمبر 2011، ووفق الفحص الطبي الذي خضعت له، فقد تم اعتماد وقوع عجز طبي بنسبة 10% يتطلب تعويضاً مادياً قدّرته وزارة العمل في غزة بحدود 64 ألف شيكل إسرائيلي" (أي حوالي 20 ألف دولار أميركي).

ينص قانون العمل الفلسطيني رقم "7" لسنة 2000 في الباب التاسع المتعلق بإصابات العمل وأمراض المهنة في المادة (116) على أن يؤمن صاحب العمل على جميع عماله ضد أي إصابات عمل قد يصابون بها لدى الجهات المرخصة في فلسطين، أما في المادة (117)، فينص القانون على أنه عند وقوع إصابة عمل، فعلى صاحب المؤسسة تقديم الإسعافات الأولية اللازمة للمصاب ونقله إلى أقرب مركز للعلاج وتبليغ الشرطة فور وقوع أية إصابة ألحقت بالعامل ضرراً جسدياً أو أدت إلى وفاته.

ووفق إحصائيات حصل عليها معد التقرير توثق إصابات العمل المسجلة في أقسام التفتيش ومديريات العمل في غزة في الفترة ما بين 2018 و2021، فقد بلغت تلك الإصابات عام 2018، 71 إصابة، وتراجعت إلى 56 عام 2019، وواصلت التراجع عام 2020 إلى 38 إصابة. وترجح الوزارة أسباب هذا التراجع إلى حالة الإغلاق التي رافقت انتشار جائحة كورونا. لكن عام 2021 عاد ليشهد ارتفاع عدد الإصابات المبلّغ عنها لتصل إلى 111 إصابة عمل.

وحسب هذه الإحصائيات، فإن إجمالي الإصابات التي سجلت في صفوف الإناث خلال الفترة ما بين 2018 و2021 لم تتجاوز 3 إصابات، فيما كانت بقية الإصابات في صفوف الذكور، وهو ما يعكس انخفاض حجم العمالة في أوساط الإناث في غزة.

خلل كبير في التطبيق

وتتنوع الإصابات المسجلة لدى وزارة العمل بين سقوط الأشخاص أو الإصابة جراء سقوط الأشياء عليهم أو الجهد المفرط أو التعرض لحرارة شديدة أو الإصابة بصدمة من التيار الكهربائي أو الحرق أو لمس المواد المضرة والمشعة أو اشتعال مواد قابلة للانفجار، في حين تتفاوت الإصابات بين الكسور والخلوع والالتواءات والصدمات والأضرار الأخرى الداخلية، وبعضها قد يقتصر على الرضوض والتسمم الحاد، وصولاً إلى جروح تؤدي إلى بتر الأعضاء، وغيرها.

وفي حالة العامل جلال حمادة، فهو تعرض للإصابة خلال عمله في أحد المصانع التابعة لأقاربه عام 2021، ما تسبب في بتر إصبعين في يده اليسرى نتيجة لتعامله مع آلة المنشار الحديدي الخاص بالقطع.

يقول حمادة إن المصنع الذي كان يعمل فيه ملتزم بتوفير المعدات الخاصة بالسلامة المهنية، غير أن الآلة التي يشغلها حادة للغاية، وهي مقص آلي، وهو ما تسبب في بتر إصبعين من يده اليسرى.

غير أن اللافت بالنسبة للعامل حمادة هو الطريقة التي تم بها احتساب التعويض، حيث تم تقدير حجم الضرر بواقع 23%، فيما يرى أنه يستحق نسبة تتجاوز الـ 30%، كونه خسر إصبعين من يده إلى جانب فقدانه عمله وعدم تعافيه.

ويشير إلى أن الإشكالية القائمة ليست مع المصنع الذي كان يعمل فيه، بل مع شركة التأمين التي قام المصنع بالتأمين عليه معها، حيث لا يزال بانتظار مبلغ التعويض، وعليه، سيواصل علاجه على حسابه الشخصي، رغم أنه فقد عمله، حيث كان يتقاضى راتباً "2000 شيكل إسرائيلي شهريا" (أي حوالي 600 دولار أميركي).

وفي حالات أخرى رصدها معد التقرير، فإن بعض العمال أصيبوا نتيجة تعاملهم أيضاً مع ماكينات خطيرة رغم تواجد معدات السلامة وارتداء بعضهم لها، إلا أنها لم تمنع إصابتهم.

ويلعب غياب بعض معدات السلامة بفعل الحصار الإسرائيلي دوراً بارزاً في هذه الإصابات، حيث تتوفر بعض المعدات الخاصة بحماية الأيدي لدى تشغيل ماكينات صناعية خطرة، لكن استيرادها ممنوع من قبل قوات الاحتلال في كثير من الحالات.

من جانبه، يعترف رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين في قطاع غزة سامي العمصي أن هناك خللاً كبيراً في تطبيق إجراءات السلامة المهنية الخاصة بالعمال في مختلف القطاعات، وهو أمر يعود للشركات وأصحاب المنشآت العاملة في غزة.

ويستدل العمصي في حديثه مع معد التقرير بالعمال الذين يعملون في محطات الغاز والبترول، حيث لا يرتدي هؤلاء كمامات طبية لحمايتهم من الغازات السامة، تحت ذرائع عدة، أبرزها الحصار الإسرائيلي المفروض على غزة.

ويرى العمصي أن هناك تقصيراً واضحاً في حق العمال من أصحاب المؤسسات، أبرزها تدني الأجور، إلى جانب عدم توفير عوامل السلامة المهنية، متذرعين دائماً بآثار الحصار الإسرائيلي، في الوقت الذي تسدد هذه المؤسسات الضرائب للاحتلال بنسبة 17%.

ويقدر العمصي نسبة غياب عوامل السلامة المهنية في مختلف المنشآت والمؤسسات العاملة في القطاع بنحو 70%، حيث يستخدم أصحابها تبريرات تحيل تقصيرهم إلى الأوضاع السائدة حالياً في مدينة غزة.

وسجلت بيانات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، في الربع الأول من عام 2022 تفاوتاً كبيراً في معدل البطالة بين الضفة الغربية وقطاع غزة، حيث بلغ هذا المعدل 47٪ في قطاع غزة، مقارنة بـ 14٪ في الضفة الغربية، وبلغ عدد العاطلين عن العمل 378 ألفاً في الربع الأول من عام 2022؛ بواقع 244 ألفاً في قطاع غزة، وحوالي 134 ألفاً في الضفة الغربية.

وزارة العمل ترد..

في السياق نفسه، يقول مدير دائرة شروط العمل في الإدارة العامة للتفتيش في وزارة العمل بغزة حسين حبوش إن الإحصائيات المتعلقة بإصابات العمل، التي رصدها معد التقرير في الفترة ما بين 2018 و2021، هي المسجلة لدى وزارته فقط، التي تم التبليغ عنها من قبل صاحب العمل أو العامل نفسه.

ويؤكد حبوش أن هناك عمالاً لا يبلغون عن إصاباتهم التي تعرضوا لها لأسباب شخصية أو لخشيتهم من التوجه لرفع قضايا في المحاكم.

من جانبه، يقول مدير دائرة التوعية والإرشاد في وزارة العمل بغزة المهندس رائد أبو شهلا إنه وفقاً لإحصائية عام 2021، فإن عدد المنشآت التي قامت بالتأمين على عمالها وصل إلى 1060 منشأة، أما المنشآت غير المؤمنة، فبلغ عددها 8955.

ويشير أبو شهلا في حديثه إلى أن عدد محاضر الضبط والتنبيه بلغت 1320 محضراً في عام 2021، فيما تم تحرير 239 إنذاراً للمنشآت، إلى جانب تحرير محاضر ضبط مع إيقاف استخدام ماكينات خطيرة بواقع 4 محاضر، مع التنبيه بإمكانية اللجوء إلى إيقاف عمل المنشأة، إلى جانب 11 محضراً مع توصية بإيقاف المنشأة كونها غير مستوفية للشروط.

ويتابع: "في 2021، قمنا بتنفيذ 51 تحقيقاً في حوادث عمل، وكذلك قامت الإدارة العامة للتفتيش باحتساب مستحقات إصابات عمل عددها 83 إصابة. أما عن عدد زيارات التفتيش التي قامت بها أقسام الوزارة، فبلغت 11577".

في مواجهة هذا الواقع، لا يطالب العمال الغزيون، بغض النظر عن الأعمال أو الحرف التي يقومون بها، إلا بالحصول على حقوقهم المادية لإعالة أسرهم في ظل الواقع المعيشي الصعب، والدعوة إلى تطبيق الإجراءات القانونية، وتطبيق توصيات السلامة المهنية، وحصولهم متى تقع الحوادث على حقوقهم في التعويض المادي.

في قطاع غزة الذي يعاني من ظروف الحصار المفروض عليه من قوات الاحتلال، يجد العمال أنفسهم، أمثال جلال حمادة وياسين القصاص، ضحية على أكثر من مستوى، الأول ضعف الإجراءات القانونية المتخذة، ما يدفعهم إلى التسوية مع رب العمل في حال الإصابة في معظم الأحيان، والثاني معاناتهم من عدم تطبيق قوانين العمل، ما يجبرهم على قبول أجور لا تصل إلى الحد الأدنى المعمول به قانوناً، إضافة إلى عدم تقيد أرباب العمل بساعات العمل التي ينص عليها القانون، ناهيك عن توفير تأمين صحي لهم.

#عمال_غزة #أجور_متدنية #الحد_الأدني_للأجور