شبكة قدس الإخبارية

المصالحة الفلسطينية معالجة فالِج

الجزاير-730x438
منير شفيق

لندع جانباً كل النيّات الطيبة لدى الجزائر وفصائل المقاومة في التوصل مع قيادة حركة فتح، لما سمّي باتفاق المصالحة، أو بيان الوحدة الوطنية، أو الاسم الرسمي: "إعلان الجزائر"، وذلك لقراءة موضوعية، طبعاً بنيّة طيبة إن شاء الله، في تقويم هذه "المصالحة"، أو "الوحدة الوطنية".

أولاً: ليس من السهل أن تُعقد آمال، أو أن يجري توقع بأن المصالحة ستتم، أو الوحدة الوطنية ستتحقق، لأن ثمة تجارب عدّة مكرّرة قامت في السابق وانتهت، بالرغم من إصدار بيانات مشتركة، مثل ما حدث في الجزائر في تشرين الأول/ أكتوبر 2022. وقد باءت جميعاً بالفشل، إن لم يتبعها المزيد من الانقسام وحتى القطيعة. يعني أننا اليوم نجرّب المجرّب الذي وصل إلى النتيجة القائلة "فالج لا تعالج".

ثانياً: المشكل في الانقسام ينبع من خلاف استراتيجي وسياسي ومبدئي وجوهري، مما ذهب بكل طرف إلى أن يمضي في طريق مضاد لطريق الآخر. وهذا الخلاف لا يقتصر على كل من فتح وحماس فحسب، وإنما أيضاً بين فتح وكل من حركة الجهاد والجبهة الشعبية، والفصائل المقيمة في دمشق.

إنه خلاف حول الثوابت والمبادئ والمنطلقات؛ لأن اتفاق أوسلو شكّل تنازلاً عن هدف التحرير الكامل لكل فلسطين، واعترف بالكيان الصهيوني الذي قام اغتصاباً وبالقوة، وبلا أي حق أو شرعية على 78 في المئة من فلسطين، واقتلع عام 1948 ما يقارب ثلثي الشعب الفلسطيني من مدنهم وقراهم، ليصبحوا لاجئين مهجرين، ومن ثم القبول بحلّ الدولتين التصفوي للقضية الفلسطينية. وتضمن اتفاق أوسلو، كذلك، نهجاً في تحقيق هدفه، هو الارتهان على المفاوضات برعاية أمريكية، ونبذ المقاومة المسلحة، وشدد على العمل على تصفيتها.

وفي المقابل، أجمعت الفصائل الأخرى على رفض الاعتراف بأية شرعية لوجود الكيان، وأصرت على التمسّك بالثوابت والمبادئ التي تضمنها ميثاقا 1964 و1968، ومنطلقات فتح كما منطلقات الفصائل كلها. ورافق هذا الإجماع الوطني تبني استراتيجية المقاومة المسلحة (الكفاح المسلح).

ثالثاً: كيف يمكن الجمع بين طرفي الخلاف، فيما طرف فتح أسس نفسه في سلطة حكم ذاتي، بموجب اتفاق أوسلو، ويتمسك بنهج اتفاق أوسلو في نبذ المقاومة المسلحة ورفض الانتفاضة، وصولاً إلى "التنسيق الأمني" المُدان والخطير إلى حدّ التعاون مع العدو ضد المقاومين والانتفاضيين؟

هذا يفسّر لماذا كل محاولات المصالحة واستعادة الوحدة الوطنية لم تنجح في السابق، ولن تنجح في اللاحق، أو اليوم.

وكان تكرار المحاولة طوال سنوات تعدّت العشر، يدّل على أنه ثمة إصرار من بعض الدول العربي ونُخب فلسطينية، على عدم الاقتناع بأن الخلاف أساسي وجوهري وجدّي، ولا مصالحة بين أطرافه إلا بإلغاء أحد الموقفين لنفسه، وليس بالمصالحة بينهما. وبهذا يتأكد بأن تحكّم الأمانيّ بهذا الواقع المضاد لها يؤدي إلى الذهاب إلى معالجة الفالِج، ولو دخلنا في العبث أو المحال.

على أن المصالحة في هذه المرة لها سلبية التوقيت كذلك، لأنها تأتي في ظرف تتصاعد فيه المقاومة في الضفة الغربية، ويتوحد الموقف الشعبي والرأي العام في دعمها ودفعها إلى أمام، لمواجهة شاملة تطيح بالاحتلال، وتنقذ القدس من التهويد، والمسجد الأقصى من الاقتحامات والانتهاكات الخطرة للغاية.

وعوْد إلى بعض الملحوظات التي لا بد منها حول البيان..

اكتفى البيان بإرسال "تحية إلى جماهير الشعب الفلسطيني في القدس والضفة الغربية، وفي غزة الصامدة"، وذلك بدلاً من إعلان دعم المقاومة المسلحة والمشاركة فيها؛ لأن مرسلي التحية هم فصائل مقاومة فلسطينية، وليسوا حزباً يرسل تحية من أقصى الأرض، وقد تجنب الإشارة إلى المقاومة المسلحة. فما الذي يجري في القدس والضفة الغربية وقطاع غزة (قاعدة المقاومة العسكرية) غير مقاومة مسلحة؟ ويفترض بأن فصائل المقاومة جزء منه، وليست طرفاً بعيداً يرسل لجماهير الشعب التحية.

أما ما سيقدمه البيان لجماهير الشعب، فباقة زهور ترمز إلى "تحقيق الوحدة الوطنية، والالتفاف حول برنامج وطني كفاحي جامع". فأين يُصرف هذا الوعد من قِبَل مقاومة مسلحة، تحقق وحدة وطنية شعبية واسعة على الأرض، مع كل شهيد تقدّمه، وتدق أبواب انتفاضة مسلحة شاملة ضدّ الاحتلال والكيان الصهيوني، على طريق تحرير فلسطين، وليس ضد نظام أبارتايد تُفرض عليه "المساواة" والتخلي عن "التمييز العنصري"؟

كلام الالتفاف حول "برنامج وطني كفاحي جامع"، كان من الممكن أن يمرّر قبل عشر سنوات، أما اليوم، وباختصار: البيان في وادٍ، وما يجري على الأرض في القدس والضفة وغزة والمسجد الأقصى في وادٍ آخر. إنه التغميس خارج الصحن، والضرب على الحافر، وليس على المسمار.

هذا ويذهب بيان الفصائل المذكور بوعود أقصاها عام، لإجراء انتخابات للمجلس الوطني والرئاسي والتشريعي. وهنا لنضع جانباً عدم ثقة أي فصيل، بما في ذلك وفد فتح، بأن هذا الوعد سيتحقق، أو سيلقى جهداً في اتجاه، وذلك بسبب المصير الذي كان من نصيب مراسيم إجراء انتخابات، أصدرها "السيد الرئيس محمود عباس"، وكان مصير الذين عملوا للمشاركة فيها وتنفيذها، كمصير التي "وُعدت بالحَلَق فثقبت أذنيها"، وانتهت "بأذنين مثقوبتين بلا حَلَق".. ومع ذلك لنفترض أن أعجوبة ستقع، وتتم الدعوة للمشاركة في الانتخابات، وبهذا تأتي الانتخابات لتتهدّد المقاومة والوضع الثوري المتصاعد، في القدس والضفة الغربية على الخصوص، وذلك حين يُطلب من الفصائل والشعب وحملة البنادق في جنين ونابلس، مثلاً، الانشغال في انتخابات "مصيرية"، فيكون ذلك بمثابة صبّ الماء على الجمر الملتهب.

ولهذا حرص كبار الثوار في العالم على رفض الانتخابات، والحسم في مقاطعتها، عندما تكون البلاد مقبلة على ثورة، أو انتصار ميداني. فقد نُظر إلى الانتخابات، والحال هذه، بأنها غدرٌ بالوضع الثوري.

وبالمناسبة، إذا كان هدف البيان هو إنهاء الانقسام عن طريق الانتخابات، فقد نُسي أن الذي تسبب بالانقسام كانت انتخابات عام 2006. فالانتخابات في بلداننا العربية، في أغلبها إن لم يكن كلها، أدّت إلى الانقسام والصراعات الدامية، إن لم يصل الوضع بعدها إلى حرب أهلية أو ما يشبهها.

والسؤال أيضاً: كيف مرّ موقعو البيان على الفقرة التالية: "وكذا الانسداد والفشل الحاصل في مسار السلام بالشرق الأوسط، اللذان يشكلان خطراً جسيماً على القضية الفلسطينية"..؟ كيف هذا؟ بدلاً من أن يُعتبر "الانسداد والفشل الحاصل في مسار السلام في الشرق الأوسط" إنجازاً عظيم الإيجابية للقضية الفلسطينية، أمام مسار سلام تصفوي للقضية!

وهنا يجب التأكيد على أن الفصائل ما كانت لتمرّر هذا البيان، مضموناً وتوقيتاً، لولا حرصها على إنجاح الوساطة الجزائرية، وذلك لما للجزائر في قلوب الشعب الفلسطيني من مكانة عزيزة، يكاد لا يُردّ لها من طلب، كما للإثبات للمرة العاشرة بأن طريق التسوية التي تبنتها قيادة فتح برئاسة محمود عباس، هي السبب وراء فشل كل المحاولات السابقة للمصالحة وإنهاء الانقسام. ومن ثم لا حلّ إلا إذا عادت فتح إلى منطلقاتها، وتبنت مبادرات كتائب شهداء الأقصى، المشاركة بنشاط في الانتفاضة المسلحة الراهنة، في الضفة الغربية ومنطقة القدس.

#المصالحة #الجزائر #إعلان