شبكة قدس الإخبارية

أحزاب الكنيست العربية، ماذا تبقّى لكم؟

_125591854_792ac25b-18b2-45b2-adc8-c47c01bfb64d
أحمد الطناني

قبل أقل من أسبوع من تقديم القوائم إلى لجنة الإنتخابات في كيان الاحتلال، وقّع كل من حزب التجمع الوطني الديمقراطي برئاسة سامي أبو شحادة، وحزب الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة بزعامة أيمن عودة، إتفاقاً ثنائياً للترشح ضمن “القائمة المشتركة” للإنتخابات المقبلة للكنيست الصهيوني.

هذا الإتفاق هو حلقة من حلقات التفاوض والمناكفة المستمرة ما بين أحزاب الكنيست العربية، التي لم تنفك تتوحد وتتفكك لحسابات، في قشورها سياسية لكنّها في جوهرها ذاتية وانتهازية.

خلاف أحزاب “المشتركة” على البرامج السياسية أم المقاعد؟

ينصّ الاتفاق على حصول “التجمع” على المقاعد الثاني والخامس والسابع والتاسع، وفي حال انضمام “العربية” للتغيير فسيحصل “التجمع” على المقاعد الثاني والسادس والتاسع، في ما حمل الإتفاق شقاً سياسياً يقضي بعدم دخول أي ائتلاف “إسرائيلي” حاكم، وفقاً لبند الكتلة البرلمانية في نصّ الإتفاقية: “الكتلة البرلمانية ليست جزءاً من المعسكرات المنافسة على سدة الحكم، وتمارس الكتلة دورها البرلماني المعارض، وتسعى لإلقاء وزنها في سبيل تحقيق مكاسب، دون أي مقايضة على مواقفها السياسية، بأي حال من الأحوال، إن كان بشكل مباشر أو غير مباشر، وبما ينقض الأسس السياسية المُتّفق عليها”.

جاء الإتفاق المذكور بعد أسابيع من الشد والمد والتراشق ما بين الطرفين الموقّعين، بعد تسريبات عن نية “الجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة” خفض تمثيل “العربية للتغيير” بقيادة أحمد الطيبي لمقعد واحد بدلاً من مقعدين، ورفض مطلب “التجمع الوطني” بزيادة تمثيله من مقعد إلى مقعدين. ترافق هذا مع طلب “التجمع الوطني الديمقراطي ”بأن تعلن “الجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة” مسبقاً وبوضوح عن موقف رافض للتوصية على أي مرشح إسرائيلي لرئاسة الحكومة.

تبنّى “التجمع” خطاً تصعيدياً استهدف “الجبهة” ومواقفها السياسية معلناً عن نيته تشكيل “تيار ثالث” يتحالف فيه مع شخصيات مستقلة وخوض الإنتخابات بمفرده، مع إبقاء الباب مفتوحاً لتشكيل “المشتركة” مجدداً بحال قبلت شروطه، وهذا ما كانت ترفضه “الجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة”، وترى فيه سلوكاً غير سياسياً ومتهوّراً وتحرّكه اعتبارات غير مفهومة.

أما وقد اتفق “التجمع” و”الجبهة” على خوض الإنتخابات بشكل مشترك، ردت “العربية للتغيير” بقيادة الطيبي بهجوم على الإتفاق وأطرافه، معتبرةً أنّه منبثق عن مصالح حزبية ضيقة وغير مسؤولة تُهدد “التمثيل العربي في الكنيست واستمرار القائمة المشتركة”.

ووصفت “العربية للتغيير” الإتفاق الذي جرى بين “التجمع” والجبهة” بالمحاصصة المقيتة والغدر والطعن في الظهر، مضيفة: “نحمّل المسؤولية عن ما قد تفرزه الأيام القادمة من تحالفات ونتائج الإنتخابات القادمة لمن يسعى لإقصاء “العربية للتغيير” وكل الخيارات مطروحة”.

وكان بارزاً أنّ بيان “العربية للتغيير” قد ذكر “لو كنّا نعرف أنّ عودة الصوت الوطني تمر من خلال تبديل المقعد الثالث بالثاني لكنّا قد بادرنا بذلك منذ بداية المعركة الإنتخابية وانطلقنا في معركة رفع نسبة التصويت”.

يؤكد هذا التجاذب بين أطراف “المشتركة” أنّ الخلاف ليس مبدئياً بقدر ما هو خلاف على الترتيب في القائمة وسعي كل طرف لتحصيل أماكن مضمونة ضمن التشكيلة، حتى وإن غُلّف هذا الخلاف بقائمة طويلة من الملاحظات على الخط السياسي المطلوب ممارسته من مقاعد الكنيست، حسب تعبير أصحابه من أحزاب وشخصيات، وهذا الخلاف غير المبدئي ليس بالجديد، فهو يعيد بالذاكرة إلى الخلاف على مقعد النائب السابق بالكنيست باسل غطاس، الذي استقال بعد الحكم عليه بالسجن، حيث ماطلت كافة مركبات القائمة في إعادة المقعد لـ”التجمع الوطني الديمقراطي” على مدار عام ونصف بهدف أن تحصد المركبات الثلاثة الأخرى التمويل المخصص لمقعد “التجمع”.

ليس بعيداً عن هذه الخلافات على تفاصيل المقاعد، العودة لأصل الفكرة والهدف من الإتفاق على “المشتركة” للمرة الأولى والذي جاء رداً على رفع نسبة الحسم لدخول الكنيست، أي أنّ السبب في تجميع الأحزاب العربية في قائمة واحدة، هو ضمان التمثيل والحصول على مقاعد الكنيست، وبطبيعة الحال تأتي البرامج السياسية لتكسيَ هذا التحالف لا أكثر.

الانحدار المتواصل

في واقع الأمر، لم تكتفِ أحزاب الكنيست العربية بوجودها داخل برلمان العدو، بل انجرفت للدخول في لعبة الائتلافات الحكومية في كيان الاحتلال، تجلّت بشكل واضح بالتوصية بالقاتل، وزير جيش الاحتلال بيني غانتس، لرئاسة حكومة الاحتلال مقابل رئيس وزراء الاحتلال السابق بنيامين نتنياهو.

كانت هذه التوصية بمثابة التمادي الأكبر في أحزاب ما زالت تدّعي أنّ بإمكانها التغيير ورفع الصوت الفلسطيني من داخل مقاعد برلمان الاحتلال، لتنجرفَ وتنحدرَ شيئاً فشيئاً وصولاً لهذه الخطيئة الكبرى التي برّرتها بأنّها في إطار منع “نتنياهو” من العودة للحكم وإيقاف التمدد “اليميني” المتطرف في كيان الاحتلال.

هذا المبرّر، بالمناسبة، هو ذاته الذي ساقه زعيم القائمة العربية الموحّدة منصور عبّاس، الذي لم يكتفِ بالتوصية برئيس وزراء، بل ذهب أبعد من ذلك بالإنضمام لائتلاف حكومي صهيوني، ضمن حكومة استمرت بل وتمادت في مسلسلات القتل والتهجير لشعبنا الفلسطيني في كل أماكن تواجده، وزيادة عن ذلك كانت من أنشط الحكومات تهويداً للقدس وتنشيطاً للاستيطان، بل وتصعيداً للأسرلة والتهويد والتشجير في التجمعات العربية بالداخل المحتل، بما فيها النقب الذي استمر وتصاعد مخطط “التشجير” فيها، بل وطرح مخططات إستيطانية جديدة على أنقاض التجمعات العربية.

لم يكن منصور عبّاس ليتجرأ على اتخاذ هذه الخطوة، لولا الانحدار المستمر لأحزاب القائمة المشتركة، وغياب أي تنفيذ حقيقي للشعارات التي قدّمها الطرفان للناخب العربي، حول مواجهة الاستبداد والتمييز العنصري وسياسات الأسرلة وإجرام الكيان الصهيوني الفاشي المتصاعد.

الجماهير الفلسطينية في الداخل حسمت خياراتها

والحال، فإنّ الجماهير الفلسطينية في الداخل قطعت الشك باليقين حول جدوى خيار المشاركة في الكنيست الذي لم يكن موضع إجماع في أي وقت، حتى أولئك الذين وجدوا في مشروع “القائمة المشتركة” حين انطلاقه عنواناً براقاً حول “العمل العربي المشترك” والبرنامج المتوافق عليه للنهوض بالواقع ورفع الصوت الفلسطيني من داخل أروقة برلمان الاحتلال، والماكينة الضخمة التي سوّقت لهذا المشروع بمشاركة عدة أطراف فلسطينية وعربية، مما رفع نسبة المشاركة والتصويت حيث وصلت إلى 64% ممن يحقّ لهم التصويت بإنتخابات الكنيست بالعام 2015، إلا أنّه سرعان ما ذهب بريق الشعارات الرنانة وبرز الواقع البائس بانشغال أحزاب الكنيست العربية في تناقضاتها الثانوية والذاتية على حساب كل برنامج وشعار رفعوه.

شهدت الانتخابات الأخيرة للكنيست بالعام 2021، النسبة الأدنى للمشاركة العربية في تاريخها، حيث بلغت نسبة مشاركة الجماهير العربية بالإنتخابات 45%، مما يعطي مؤشراً واضحاً حول تراجع كل خيارات الرهان على التغيير من داخل برلمان الاحتلال، وتوسُّع الفجوة ما بين أحزاب الكنيست والجماهير الفلسطينية، وفي ذات العام أيضاً كانت المشاركة الفلسطينية الكبرى التي ترافقت مع أحداث “سيف القدس” والمعركة ما بين المقاومة الفلسطينية وجيش الاحتلال، حيث كانت للجماهير الفلسطينية في الداخل كلمتها وفعلها الذي أربك الاحتلال بشكل كبير.

لا تُشير نتائج الاستطلاعات الحديثة إلى وجود تغيُّر في مزاج فلسطينيي الداخل المحتل أو توجّهاتهم نحو الإنتخابات، حيث أنّ المؤشرات كلها تصبّ في خانة تنامي المقاطعة، إذ أفادت صحيفة “معاريف” العبرية، بأنّ “21% من العرب (فلسطينيي الداخل) الذين صوتوا في إنتخابات الكنيست الأخيرة لا يعتزمون التصويت هذه المرة، مقابل 2% فقط من أوساط اليهود”، وأظهرت نتائج استطلاع أجراه “المعهد الإسرائيلي للديمقراطية”، أنّ “واحداً من كل خمسة مقترعين عرب لا يعتزم الوصول إلى صندوق الإقتراع في الأول من تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل”.

المطلوب وقفة مع الذات

بعد أكثر من عشر مشاركات عبر قوائم تمثّل أحزاباً عربية في الكنيست، وفشل هذه الأحزاب في تحقيق أي اختراق حقيقي أو نقل أي شعار من الشعارات من حيّز التنظير إلى حيّز التنفيذ، حيث لم تنجح هذه الأحزاب لا بالنهوض بواقع “المجتمعات العربية” بالداخل ووقف إجراءات الاحتلال التهويدية ومشاريع الأسرلة والتهجير والاستهداف الممنهج لهم، ولم تحقّق أي اختراق سياسي فالاحتلال يتّجه للمزيد من الإجرام والفاشية والعنصرية والقتل والإيغال بالدماء الفلسطينية والاستيطان يتوسع ويقضم الأراضي الفلسطينية تدريجيا، ومدينة القدس تُهوّد بتسارع مضاعف.

وفي ظل تصاعد الجريمة والعصابات والقتل بالجملة في التجمعات الفلسطينية بالداخل، حيث تحظى عصابات الإجرام برعاية وتواطؤ من أجهزة الأمن الصهيونية، وكل ذلك على مرأى ومسمع من “نواب الكنيست” المنشغلين في البحث عن مقعدهم وترتيبهم في الإنتخابات القادمة، فلم يفلح من جلس على مقعد الكنيست، ولا أيضاً من جلس في ائتلاف حكومي، في توفير حتى أدنى درجات الأمان الذاتي للعائلات الفلسطينية في الداخل، بل إنّ وتيرة الجرائم تتصاعد وفوضى السلاح المنفلت تتوسع.

إنّ الجماهير الفلسطينية وكعادتها تسبق الأحزاب وتنظّم نفسها في أشكال جديدة (حراكات مناطقية) لتقفَ موحّدة ضد الجريمة المنظمة، وضد التواطؤ الأمني الصهيوني مع محاولات تفكيك المجتمعات الفلسطينية من الداخل، وفي ذات الوقت ترفع الصوت عالياً نُصرة للقضايا الفلسطينية الكبرى، متكاملين مع شعبهم الفلسطيني في كل مكان، متمسكين بهويتهم الوطنية الفلسطينية، مدافعين عن الأسرى والقدس ورافضين لآلة القتل والحصار الصهيونية التي تستهدف شعبهم في قطاع غزة والضفة.

هذا كله يتطلب من كل المكونات السياسية الفلسطينية في الداخل وقفة جادة مع الذات، حول جدوى المشاركة في انتخابات الكنيست الصهيوني، التي وبعد تجارب كثيرة ثَبت فيها صوابية مواقف الأحزاب الوطنية (حركة أبناء البلد، والجناح الشمالي بالحركة الإسلامية) الذين رأوا أنّ هذه المشاركة لن تساهم إلا في تجميل وجه الاحتلال القبيح وإظهاره بمظهر ديمقراطي يسمح بالتعددية في برلمانه، في ما هو يمارس كل أشكال القتل والقمع والفصل العنصري والإبادة للشعب الفلسطيني.

إنّ النموذج العربي الخاضع الذي قدّمه منصور عبّاس، لم يكن ليكون لولا نموذج العربي الذي يريد أن يعارض من داخل أروقة برلمان احتلاله، ويفوّض قاتل برئاسة الوزراء في إطار سعيه لمنع قاتل آخر من الوصول لسدة الحكم ورئاسة الوزراء في كيان كله جنود احتياط على أتمّ الجاهزية لقتل وتهجير أبناء الشعب الفلسطيني أينما كان تواجدهم.

المطلوب اليوم أن تلحق الأحزاب الفلسطينية بجماهيرها التي سبقتها في حسم خياراتها وتوجّهاتها واختارت أن تتجاوز سياسة “خصوصية كل ساحة” وحالة التيه والفصل التي رسّختها “أوسلو”، لتتكامل اليوم في نضال يومي مستمر لتحويل ما جرى في سيف القدس، إلى وحدة حقيقية للساحات يتكامل فيها الفعل الفلسطيني في إطار حالة نضالية كبرى تستعيد المشروع الوطني الفلسطيني وتُعيد له بريقه كمشروع تحرّر يتصدّى لكل محاولات التصفية والتفتيت.

#الاحتلال #الكنيست