شبكة قدس الإخبارية

دلالات عملية الأغوار.. المكان قاتل والتوقيت حساس

304486775_542457910987518_2567869095037985705_n
يوسف أبو وطفة

رام الله - خاص قدس الإخبارية: أعادت عملية الأغوار التي نفذها 3 مقاومين فلسطينيين، الأحد 4 سبتمبر 2022، سيناريوهات مقلقة بالنسبة المنظومة الأمنية لدى الاحتلال تتلخص باتساع رقعة العمل المقاوم في الضفة الغربية المحتلة وعدم اقتصاره على منطقة محددة.

وجاءت العملية خارج حسابات الاحتلال الذي يعتقد أن مجمل العمليات قد تتركز في محيط المستوطنات الواقعة في شمالي الضفة المحتلة كجنين ونابلس وطولكرم إلى جانب بعض مناطق رام الله والقدس المحتلة والخليل.

وتعد منطقة الأغوار بالنسبة للاحتلال منطقة أمنية حساسة عند مقارنتها ببقية المناطق داخل نطاق جغرافيا الضفة الغربية المحتلة وهو ما يكسب هذه العملية زخماً أكبر عند مقارنتها بغيرها من العمليات التي نفذتها المقاومة.

وفي تفاصيل العملية فقد نفذت من خلال مركبة مسرعة، حيث استهدف مقاومون الحافلة بوابل من الرصاص، ما أدى لانحرافها عن مسارها، واصطدامها بحاجز جبلي، بجانب الطريق، فيما انسحب المنفذون من المكان، وخلال انسحابهم، اندلعت النار في مركبة المنفذين، نتيجة اشتعال –ما يبدو- أنها زجاجات حارقة كانت في صندوق المركبة الخلفيّ، على بعد مئات الأمتار من مكان العملية ما أدّى لإصابة اثنين بحروقٍ بالغة، فيما أعلن جيش الاحتلال عن اعتقالهما.

أما عن حصيلة العملية فقد اعترف الاحتلال بإصابة 7 من جنوده في العملية التي استهدفت الحافلة الإسرائيلية، حيث وصفت جروح أحد الجنود بالخطيرة، وتحدث الاحتلال عن منفذ ثالث تمكن من الانسحاب بسلام.

لكن الخطير بالنسبة للاحتلال هو ما لحق بهذه العملية من إطلاق نار في أكثر من مكان ضمن عمليات إطلاق نفذها مقاومون تمكنوا خلالها من الانسحاب بسلام دون أن يصل الاحتلال إليهم، وهو ما يعزز قلق المؤسسة الأمنية للاحتلال.

ويقدر مراقبون للشأن الأمني لدى الاحتلال بأن جبهة الضفة هي الأخطر من الناحية الجغرافية والعملياتية عند مقارنتها بجبهة غزة ولبنان وإيران، نتيجة التماس اليومي مع المستوطنين والجنود، وتمدد ظاهرة التشكيلات العسكرية للمقاومة.

إلى جانب ذلك، فإن المراسلين العسكريين للاحتلال يقارنون بين المشهد الحالي والمشهد قبل عام 2014، إذ باتت عمليات إطلاق نار تجاه المستوطنات وحواجز الجنود أمراً اعتيادياً بالنسبة للجمهور الفلسطيني، مقارنة بالحال سابقاً في الفترة ما بين 2007 إلى 2014.

وتعكس تقارير المؤسسة العسكرية للاحتلال أن ما يجري هو حصيلة تعاون وثيق يتم بين حركتي الجهاد الإسلامي وحماس، سواء عبر التجنيد أو التسليح في محاولة التنظيمين إعادة واقع المقاومة عسكرياً للشكل الذي كان عليه قبل سنوات الانتفاضة.

وبات الاحتلال منشغلاً بصورة كبيرة فيما بات يعرف بـ "ظاهرة المطاردين" وملاحقتهم بشكلٍ يومي عبر عمليات الاعتقال والاقتحام للوحدات الخاصة التي تنفذ في الضفة، في الوقت الذي تتصاعد فيه المقاومة بوتيرة مغايرة تماماً عن عام 2021 و2020.

وباتت بعض التشكيلات العسكرية للمقاومة تميل إلى اتباع أسلوب تنظيم جديد في عملها، بعدما كانت تميل في السابقة إلى التشكيل العشوائي أو الذي يقتصر على عدد محدود فردي للتغلب على المصاعب الأمنية.

في السياق، يقول اللواء المتقاعد والمختص في الشأن العسكري واصف عريقات إن توقيت العملية الأخيرة في الأغوار جاء في ظل الأزمات الداخلية التي يعاني منها الاحتلال إلى جانب الأزمات الخارجية التي يمر بها في الفترة الأخيرة.

ومن بين الأزمات الخارجية التي يمر بها الاحتلال وفقاً لـحديث عريقات لـ "شبكة قدس" هو حالة التوتر القائمة في الفترة الأخيرة مع لبنان نتيجة لعدم التوصل لاتفاق لترسيم الحدود البحرية، إلى جانب الاتفاق النووي الإيراني ومخاطره على الاحتلال.

ولا يغفل المختص في الشأن العسكري حالة الخلاف السياسي القائم داخل الأحزاب الإسرائيلية حالياً استباقاً لانتخابات كنيست الاحتلال المقبلة المزمع عقدها في نوفمبر/ تشرين ثاني المقبل، ومحاولة توظيف الدم الفلسطيني كدعاية للجبهة الداخلية.

أما عن الدلالة المكانية، فيرى عريقات أن المنطقة بالنسبة للاحتلال، حساسة جداً ومنطقة أمنية بامتياز يتم توظيف كل الإمكانيات المتطورة في الأغوار كونها منطقة حدودية ومنطقة تهريب ومنطقة تعتبر سلة زراعية للمستوطنين.

ويضيف: "هذه العملية ضربت الهيبة الأمنية والاستخبارية للاحتلال حيث تمكن المقاومون من إطلاق النار على الباص الذي كان يضم جنودا دون أن يحرك الجنود أي ساكن وهو ما يعكس ارتباكا لدى جنود الاحتلال وشجاعة وجرأة من المقاومين".

ولا يرى عريقات أن اعتقال الاحتلال للمقاومين يعد نجاحاً أمنياً وعسكرياً بالنسبة له نظراً للجغرافية الخاصة لهذه المنطقة والكثافة الأمنية والاستيطانية في المكان والرقابة الأمنية الشديدة التي لم تمنع بالأساس وقوع هذه العملية وتنفيذها بهذه الطريقة.

أما الكاتب والمختص في الشأن الإسرائيلي علاء الريماوي فيقول إن الاحتلال الإسرائيلي تفاجأ من العملية من جانبين: الأول يتمثل في الانتقائية في العملية والجرأة فيها، ففي الانتقائية يتمثل الأمر في الجغرافيا التي يعتبرها الاحتلال تابعة لأمنه بعمق وتحت رقابته المكثفة.

وبحسب حديث الريماوي لـ "شبكة قدس" فإن منهجية العمل الأمني في مكان العملية منضبطة تحت سيطرته سواء من خلال الكاميرات أو الدوريات العسكرية المتتابعة أو من خلال مسألة المتابعة الحثيثة لهذه المنطقة أمنياً.

ويستكمل: "أتت العملية بتركيبة من الجرأة، معنى ذلك أن هناك فشلاً إسرائيلياً في ضبط إيقاع المنطقة أولاً بسبب أن المقاومة الفلسطينية تتسع خارج ردار الاحتلال الإسرائيلي، وثانياً هو قدرة منفذي العملية على إيقاع خسائر في صفوف الاحتلال، وكذلك الإيقاع النوعي للعملية من خلال استخدام المركبة والاشتباك من داخلها ثم السيطرة على الحافلة الإسرائيلية ثم الوصول إلى إطلاق النار عليها من نقطة صفر وإصابة جنود ثم محاولة الدخول الحافلة، كلها أمور غير مسبوقة ويقرأها الاحتلال بخطورة عالية".

وبحسب الريماوي فإن الاحتلال وثق منذ بداية العام الجاري 190 عملية إطلاق نار وهو أمر خطير بالنسبة لمؤسسات الاحتلال الأمنية والعسكرية وفيه زيادة تتجاوز 80 عملية إطلاق نار عن عام 2021 وهو ما يعني أن هناك ذروة في عمليات المقاومة.

ويستطرد: "ما يجري يندرج في سياق تمدد جغرافيا تنفيذ العمليات وهو بالنسبة للاحتلال أمر مقلق للغاية، إلى جانب أن الاحتلال يعتبر أن هناك شيء جديد في الضفة الغربية مع وجود عدد كبير من المطاردين والمطلوبين وعدد كبير من المقاومين المسلحين ووجود انتشارية في عمليات إطلاق النار التي تجري".

#المقاومة #العمليات #المنظومة_الأمنية