شبكة قدس الإخبارية

من أبو الجلدة للتركمان... معادلة تكسير البرانيط

304806553_5893613694048816_5290014793288230423_n
عبد الله الأحمد

الأهمية الجيوسياسية للمكان

يعد سهل البقيعة ثالث أكبر سهل من حيث المساحة في فلسطين التاريخية، حيث يمتد هذا السهل الكبير حتى يصل نهر الأردن، ويتربع على أراضي مدينة طوباس وبلدة طمون وخربة عاطوف والتجمعات الرعوية (الرأس الأحمر، بصلية، حمصة، الحديدية، مكحول، سمرا، أم العبر، وخزوق موسى، ومرج نعجة). وبنفس الوقت احتلت سلطات الاحتلال السهل منذ سبعينيات القرن الماضي واقامت عليه عدة معسكرات ومستعمرات صهيونية يهودية (معسكر ومستعمرة حمدات، مستعمرة بكعوت، مستعمرة روعي، حاجز الحمرا الاحتلالي).

مشروع إيغال الالون الاستعماري الاحلالي

في العام 1976 قرر الوزير الصهيوني آنذاك إيغال ألون للبدء في مخطط صهيوني استعماري إحلالي في منطقة الأغوار، بحيث يصبح هذا المشروع في المستقبل خط الدفاع الثاني لحدود الكيان الصهيوني الشرقية، وملخص المشروع أن يكون هناك خط مستعمرات صهيونية موازٍ للسياج الأمني الذي فصل وعزل نهر الأردن والحدود الشرقية الفلسطينية عن الشقيقة الأردن. ويبدأ هذا المشروع من قرى الأغوار الشمالية شمالا ويصل حتى قرية مخماس ضمن حدود بلدية القدس. ويقوم المشروع الصهيوني على إفراغ المنطقة من سكانها الأصليين الفلسطينيين وإحلال المستعمرين الصهاينة بدلا منهم، لكي تكون المنطقة وعلى طول هذا الخط مليئة بالمستعمرات بدلا من التواجد الفلسطيني فيه.

وقد أطلقت سلطات الاحتلال على الشارع الرئيسي الذي يمتد من قرية عين البيضا شمالا الى مفترق طرق قرية فروش بيت دجن جنوبا باسم طريق ألون تيمنا بالمشروع الاستعماري للصهيوني إيغال ألون. هذا الطريق يفصل سهل البقيعة، بحيث يعزل المنطقة الشرقية للطريق ويحرم الفلسطينيين من التواجد فيها أو استغلالها منذ أكثر من 55 سنة، في حين سمح للمستعمرين ببناء المستعمرات والبؤر الاستعمارية ومعسكرات الاحتلال.

سهل البقيعة... سلة غذاء وبندقية الأجداد

في الموروث الشعبي لسكان المنطقة يتغنى السكان بالفدائيين الذين كانوا يتنقلون ما بين الأردن وفلسطين عبر سهل البقيعة مرورا بنهر الأردن، منذ الدولة العثمانية والاستعمار الإنجليزي للبلاد، ففي تلك الفترة في الذات سطع نجم الثائر الفدائي ابن بلدة طمون أبو الجلدة، وكتبت فيه الاهازيج وتغنى بمجده الأحرار والثوار. فأبو الجلدة والذي اعدمته سلطات الاستعمار الإنجليزي في عكا في ثلاثينيات القرن الماضي نتيجة نضاله ضد النظام الاستعماري، وكان قد شكل حالة نضالية في بداية بزوغ فجر الفدائيين في فلسطين قبل الاحتلال الصهيوني اليهودي للبلاد. وقد شكل أبو الجلدة ورفيق دربه العرميط حالة استثنائية في تلك الفترة وأطلق عليهم السكان (أبو الجلدة والعرميط يا ما كسروا برانيط) والبرانيط هي الخوذ التي كان يرتديها جنود الاستعمار الإنجليزي، وهذه الجملة هي كناية على عدد الرؤوس التي تكسرت على يدي الثائرين أبو الجلدة والعرميط.

وأما من الناحية الاقتصادية، فسهل البقيعة الذي يتجاوز في مساحته ال 35 ألف دونم، كان وما زال سلة الغذاء سواء من الإنتاج البعلي من الحبوب الأساسية القمح والشعير او من الإنتاج المروي والذي استطاع سكان المنطقة انتاج شتى أنواع الخضروات فيه، ليعود هذا السهل على الصدارة من حيث المكانة الوطنية والاقتصادية.

الإجراءات الأمنية والتعقيدات.. وتوقيت الحدث

فيما نبشت إسرائيل وتشكيلاتها الأمنية والاستخباراتية (عش الدبابير) في مخيم جنين بداية هذا العام وأواخر العام المنصرم، بدأت كرة اللهب بالتدحرج، مخيم جنين أولا، ثم قرى جنين، الى البلدة القديمة في نابلس، ومخيماتها الى قرى رام الله وعلى رأسها سلواد. وكانت المفاجأة في المنطقة التي عمل على تهدئتها منذ معركة الكرامة (1969) الاحتلال واعتبرها ملاذا آمنا له ولمستوطنيه، فقد نفذت ع. على طريق ألون الاستعماري وعلى بعد عدة كيلو مترات من حاجز الحمرا الاحتلالي وعدة مئات من الأمتار من مستعمرة بكعوت، المكان والزمان لهذه ع. دق مسمارا جديدا في نعش الكيان، وأبرز الاشكال الوجودي في استمرار استعماره لأرض فلسطين. شابان فلسطينيان لم يبلغا العقد الثالث من عمرهما نفذا وصية الشهداء وأمطروا حافلة جنود حاقدين بالرصاص، لوهلة يمكننا أن نصف ما جرى أن وحدة كوماندوز فلسطينية قد نفذت وفي وضح النهار عملية تصفية لمجرمين صهاينة أمعنوا فينا القتل والدمار.

عملية البقيعة عملية معقدة على المستويين الأمني العسكري والاستخباراتي، وتضع الاحتلال ومستوطنيه في مرمى نيران المقاومة على كل شوارعه الاستعمارية الالتفافية، وتبرز من جديد الجدلية الوجودية للكيان في أرض فلسطين من نهرها الى بحرها.

ح.ع

#عملية_الأغوار #من أبو الجلدة للتركمان... معادلة تكسير البرانيط