شبكة قدس الإخبارية

هل هناك أصدق مما قاله الشهيد؟

meJDB
وسام الفقعاوي

لقد كان أبو علي مصطفى باني ذاته بإرادته أو القائد النموذج في إرادته؛ فمن المعروف أن أبو علي ابن أسرة فلاحية بسيطة ولم يستطع أن يُكمل تعليمه ليقف مساندًا ومساعدًا لوالده في إعالة أسرته الكبيرة نسبيًا، وعليه عندما انخرط في العمل الوطني والقومي في منتصف الخمسينيات وخاض غمار التجربة في حركة القوميين العرب من بداياتها الأولى وتحمل ما تحمل من مشاق العمل السري والملاحقة والاعتقال في ظروف قاسية في سجن الجفر الصحراوي في الأردن ولمدة خمس سنوات متواصلة، وتولُد الاستعدادية الدائمة لديه للنضال والتضحيّة من أجل تحرير الأمّة العربيّة ووحدتها وتحرير فلسطين، من خلال إعطاء مضمون حقيقي وعلمي لهذا النضال ولموقع المسؤوليّة والقيادة الأولى؛ بالاتكاء على إرادته في بناء ذاته وتطوير وعيه وثقافته وصقل تجربته وزيادة خبرته؛ ففي حياة أبو علي كل ما يُعبر عن إنسان/مشروع ويعبر عن مقاتل وقائد نموذجي؛ يؤسس المشروع ويكون في طليعته؛ فهو الإنسان/المشروع بحد ذاته، وعليه أدرك أن العمل الوطني الفلسطيني إما يكون جماعيًا أو لا يكون، وإما أن يكون منظمًا وواعيًا أو لا يكون.. لهذا قال: "يجب أن نبني وحدتنا على أسس وطنية وديمقراطية وعلى خلق ووضوح وعلى حق.. لأنه عندما نتحدث عن ركيزة أساسية لتقوية الحالة الفلسطينية لمواجهة المحتل الصهيوني، فإننا نعتبر أن الوحدة الوطنية مشروعًا وطنيًا متكاملًا، وعليه يجب أن نعي خطواتنا بصدق ونحن نسير باتجاه الوحدة الوطنية الشاملة.. هذا هو السبيل لاسترداد الحق، ولبناء وحدة وطنية تستطيع حمل الراية والمسؤولية وتقوية الحالة الفلسطينية لمواجهة المحتل الصهيوني".

إنه بحق درس نموذجي عن الإنسان الصادق الذي صاغته الإرادة وهو يتعلم أبجدية السياسة، وعلى الإرادة اتكأ وهو ينتقل من سؤال ثقافي لآخر واعتمد على الإرادة وهو يترجم مبادئ السياسة والثقافة إلى فعل جماعي تحرري. وهنا يمكن القول: أن الشيء الوحيد الذي لم يتعلمه أبو علي هو حب الوطن، كونه ولد وطنيا ونما فلسطينيا وترعرع قوميا وانصهرت وطنيته بفلسطينيتة وبقوميته العربي، في ثلاثية جعلت من قدره هو قدر فلسطين.

وفي حالة أبو علي الفريدة فإنه لم يتعرف بالألقاب أو المناصب الكبيرة التي تقلدها؛ فهو كان قائدًا كما لم يفرضه أحد ولم يفرض على أحد أن يُعنيّه قائدًا؛ كان في سلوكه وشرفه واتزانه وبساطته وكرمه وتواضعه وتسامحه وثقافته ما يُعينّه قائدًا وما يدفع الآخرين إلى التعامل معه كقائد نموذجي جدير بالاحترام.

وإذا كان الزمن الفلسطيني أو العربي، قد أنتج بشرًا يرون القيادة في الطقوس والمرافقين والنبرة المتعجرفة والمتعالية وتكاثر الألقاب الفارغة أراد أبو علي أن يكون المختلف.. أي ذاك الذي يُعيد إلى الكلمات معانيها ودلالاتها؛ إذ القيادة سلوك وقدرة وشجاعة وبساطة.. أو كما قال د. فيصل دراج: أراد أبو علي أن يبقى المُعلم النجيب الذي يبقى تلميذًا، وذلك القائد الذي يبقى جنديًا، وذلك التلميذ الأبدي البهي، الذي يستطيع أن يكون تلميذًا وأستاذًا وقائدًا ونموذجًا في آن؛ دون انغلاق أو تحجر أو خروج من الحياة، لهذا بقي أبو علي نموذجًا للمقاتل الذي جاء من الشعب البسيط ورجع إلى حضن/ثرى من جاء منه.

#أبو علي مصطفى