شبكة قدس الإخبارية

من الخطوط الحمراء إلى الرأس فوق الماء.. كيف يتحكم الاحتلال مالياً بغزة؟

89C1FDE2-562E-4783-A3BF-C7CF288D5760
هيئة التحرير

غزة - خاص قدس الإخبارية: في 17 تشرين الثاني/ أكتوبر 2012 كٌشف عن وثيقة أعدها مكتب منسق أعمال حكومة الاحتلال الإسرائيلي تحت بعنوان "الخطوط الحمراء" والتي كانت تشمل تفاصيل حصار غزة وتجويع السكان.

وكان لافتاً أن الوثيقة التي كشف عنها بعد صراع قانوني داخلي في الاحتلال تحدد عدد السعرات الحرارية التي يتعين على الفلسطيني في غزة الحصول عليها يومياً حيث تم تحديد 2279 سعرة حرارية لكل مواطن في القطاع المحاصر إسرائيلياً.

وللمفارقة فقد تم تعيين السعرات الحرارية وفقاً لخطة شملت سن الفلسطينيين وجنسهم وأنواع الغذاء الأساسي الذي يمكن إدخاله للقطاع في الفترة ما بين 2007 إلى 2010 اعتماداً على عدد الشاحنات المدخلة عبر معبر كرم أبو سالم التجاري الواقعة جنوبي قطاع غزة.

وبحسب هذه الحسابات الإسرائيلية تقرر حصول كل فرد في القطاع على 2279 سعرة حرارية يوميا موجودة في 1836 غراما من المواد الغذائية أو في 2575.5 طن غذاء يومي لجميع سكان قطاع غزة، ويتطلب تزويد كميات الغذاء هذه إدخال 170.4 شاحنة يوميا إلى القطاع على مدار خمسة أيام في الأسبوع، لكن جيش الاحتلال، وفقا للوثيقة، خفّض 68.8 شاحنة من هذا العدد بادعاء أنها مساوية للمنتجات الغذائية من "إنتاج محلي" في القطاع مثل الخضار والفواكه والحليب واللحوم.

وشملت الوثيقة "مجمل المواد الغذائية أخذت بالحسبان 'تذوق' الأطفال دون سن العامين" وتوصلت إلى نتيجة نهائية بأنه ينبغي إدخال 101.8 شاحنة إلى القطاع يوميا، لكن السلطات الإسرائيلية رأت أنه ينبغي خفض 13 شاحنة من هذه النتيجة النهائية وفقا "لثقافة وتجربة" استهلاك المواد الغذائية في القطاع، علما أن الوثيقة لا توضح كيفية إجراء هذه الحسابات، بينما تم احتساب استهلاك مرتفع للسكر واستهلاك منخفض للخضار والفاكهة واستهلاك منخفض أكثر للحليب واللحوم والدجاج، وتوصل منسق أعمال الحكومة الإسرائيلية في المناطق المحتلة إلى أنه ينبغي إدخال حمولة 131 شاحنة يوميا.

ورغم أن هذه الخطة فشلت في هذه الفترة نتيجة لظهور ما عرف حينها بالأنفاق الأرضية التي حفرها الفلسطينيون في غزة مع مصر لشراء وإدخال السلع والمواد الغذائية، إلا أنها تعكس طريقة التعامل الإسرائيلي مع الواقع المعيشي وإدارته للحصار بأدق تفاصيله.

وبعد فشل هذه السياسة وفي أعقاب عام 2014 ونتيجة لما قدمته المقاومة الفلسطينية من أداء عسكري متطور ومتقدم مقارنة بجولات التصعيد والحروب السابقة لجأ الاحتلال إلى سياسة "إبقاء رأس غزة فوق الماء" وهي سياسة تتحكم في التحويلات المالية النقدية وفقاً لإجراءات دقيقة من خلال اللجنة الأمنية المشتركة التي تضم الولايات المتحدة والسلطة الفلسطينية ودول عربية في المنطقة.

وأدت هذه السياسة إلى فرض إجراءات غير مسبوقة كان أبرزها إغلاق حسابات لجمعيات خيرية ومنع افتتاح حسابات جديدة لها، وتجميد أرصدتها البنكية وسحب التراخيص الخاصة بها من السلطة، مروراً بوقف كفالات الأيتام لعشرات الآلاف منهم.

ومع حلول العام 2017 لجأت السلطة الفلسطينية إلى تعزيز الضغط المالي على القطاع عبر العقوبات التي فرضتها آنذاك والتي أوقفت فيها دفع الرواتب لنحو شهرين قبل أن تقرر دفعها بنسبة 50% فقط قبل أن تعود وترفع هذه النسبة إلى 70%، فيما امتنعت عن صرف مئات الموظفين على خلفية انتمائهم السياسي، وأحالت العشرات للتقاعد الإجباري القسري.

وألحقت هذه الإجراءات ضراراً بالغة في المنظومة النقدية الخاصة بالقطاع وهو ما نجم عنه ارتفاعاً ملحوظاً في نسبة الفقر التي وصلت إلى نحو 70% في صفوف السكان، والبطالة التي تقترب من 50%، منهم 60% في صفوف الشباب.

ورغم أن السلطة أعادت خلال العام الأخير صرف رواتب الموظفين كما هو أسوة بالضفة، إلا أن أزماتها المالية لم تحسن من الواقع شيئاً نتيجة لعدم قدرتها على صرف رواتب كاملة للموظفين وبالتالي فإن الموظفين لم تتحسن أوضاعهم الاقتصادية كثيراً.

في السياق، يقول المختص في الشأن الاقتصادي محمد أبو جياب إن الاحتلال اتبع سياسة وزير الحرب السابق ووزير المالية الحالي أفيغدور ليبرمان التي تنص على إبقاء "الرأس الفلسطيني فوق الماء" والتي تهدف لمنع الانتعاش الاقتصادي وفي نفس الوقت عدم تدهور الوضع لتصعيد.

ووفق حديث أبو جياب لـ "شبكة قدس" فإن الأمر بدأ بالحرب على التحويلات المالية القادمة من الخارج أو حتى العملية التجارية المتعلقة بفتح المعبر التجاري مع مصر، إذ يعمل الاحتلال وفقاً لحسابات مدروسة للتحكم في المدخولات المالية.

ويشير إلى أن الاحتلال يحدد الدخل المالي حتى الوارد للجهات الحكومية في غزة من ناحية ابقائها بالحد الأدنى من الرواتب والمصاريف التشغيلية إلى جانب الضغط على القطاعات الصناعية وتشويه الهيكل التجاري والصناعي في غزة.

وبحسب أبو جياب فإن الدخل المالي الوارد لغزة محدد من الحالات بنظام واردات نقدية ثم سرعان ما تخرج للخارج من أجل استيراد السلع، وبالتالي فإن المال لا يدور في القطاع بشكل تنموي أو بطريقة اقتصادية تحقق استقراراً اقتصادياً.

ويرى أن أي تسهيلات يتحدث عنها الاحتلال فهي ذات طابع وهمي، حتى على صعيد تصاريح العمل في الداخل المحتل عام 1948، إذ يبقى الملف مرتبطة بسقف الواردات المالية للقطاع، وفي حال شعر الاحتلال أن هناك زيادة في المدخولات المالية سيقوم بتقليص هذه التصاريح، إلى جانب التحكم في الحركة عبر المعابر المختلفة بما في ذلك المرتبطة مع مصر عبر تنسيق وتعاون مشترك لضبط الواقع المالي في غزة.

ويقدر أبو جياب حجم السيولة النقدية التي كانت تدخل إلى القطاع ما قبل عام 2017 بنحو 140 مليون دولار شهرياً تشمل رواتب الموظفين المحسوبين على السلطة إلى جانب حكومة غزة وموظفي الأونروا والمؤسسات الدولية والمشاريع، في حين لا تتجاوز حالياً 70 مليون دولار في أفضل الأحوال.

في الوقت ذاته، يؤكد الصحافي والباحث في الشأن الاقتصادي أحمد أبو قمر أن أي زيادة مالية من قبل الحكومة في غزة على صعيد الرواتب أو الإيرادات سيقابلها الاحتلال فوراً بتقليص إدخال المال للقطاع عبر التنسيق مع مختلف الجهات.

ويقول أبو قمر لـ "شبكة قدس" إنه في حال قررت الجهات الحكومية زيادة نسبة الرواتب لتصبح 70% بدلاً من 60% سيقوم الاحتلال بتعطيل إدخال المنحة القطرية لفترة، أو العمل مع مصر لزيادة الاستيراد منها للقطاع لامتصاص السيولة النقدية المتوفرة.

ويلفت الصحافي الاقتصادي إلى أن الاحتلال يتبع عدة أساليب أهمها ضبط السيولة النقدية الواردة لغزة، إلى جانب إخراج أية مصانع ذات طابع تنموي تعمل على زيادة الناتج المحلي خارج الخدمة في أي جولة تصعيد أو حرب.

ووفق أبو قمر فإن السياسة المتبعة حاليا والمتعلقة بالسياسات المالية متعلقة هي حلقة في سلسلة مرتبطة بإضعاف السيولة النقدية وإضعاف القدرة الشرائية وزيادة معدلات البطالة، إذ أن الاحتلال متمسك بالحلقة الأولى لتنفيذ استراتيجيته بإبقاء رأس غزة فوق الماء.

#الحصار #حصار_غزة