شبكة قدس الإخبارية

رسالة سيف القدس.. تعالوا جميعا نثبّت قواعد الاشتباك 

279908841_709013093637424_6471177129011859285_n
ابراهيم الفارس

تشبه بعض المعارك في نتائجها، فعل الشهادة، يغادر جسد الشهيد مفترضا أنه سيتحول إلى أدبيات حرب تُبقي أثره، والأثر لا يدوم إذا لا لم يلتقط رسالة الدم جمهور يؤمن بها، ويوسع من تأثيرها. وعكس ذلك يصبح الدم محاصرا في الحدث، ما بين الطلقة والموت. تذكرني هذه المقاربة بمعركة سيف القدس، التي تمثل الفعل الاستشهادي في طبيعتها، لكن أثرها لا يمكن أن يبقى مستمرا بدون جمهور الفعل. 

سيف القدس كانت معركة فاصلة ومهمة في سياق الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي، في الدرجة الأولى بفلسفتها لا بأدواتها. الإمكانيات التي استخدمتها المقاومة كانت متوقعة وأشارت لها تقارير سابقة وتحدث مسؤولون من فصائل المقاومة بما يشير لها، ويمكن التنبؤ أن لدى المقاومة خيارات وأدوات أخرى لكنها اختارت استخدامها في جولات أخرى. 

لكن الأهم في سياق المعركة كان قدرتها على إعادة الاعتبار للفعل المقاوم كفعل قادر على إنهاك الاحتلال الإسرائيلي في مقابل البروباغاندا الموجهة التي كانت تحاول تكريس فكرة أن العمل المقاوم هو فعل انتحاري آني في مواجهة كيان لا يمكن الإضرار بعقيدته الأساسية التي قام بها، وبوعي جمهوره الاستيطاني.

جاءت سيف القدس لتنشط ذاكرة النخبة الإسرائيلية بلعنات التاريخ، وسنن الاندثار، فقد كشفت مقالة كتبها وزير حرب الاحتلال السابق ايهود باراك أنه يخشى أن تحلّ على "إسرائيل" لعنة العقد الثامن، الزوال والاندثار. بعدها كشفت وسائل إعلام إسرائيلية أن وزير الحرب الحالي بني غانتس توقع أن تتقلص "إسرائيل" بفعل الوجود الفلسطيني في داخلها، متخوفا هو الآخر من المستقبل القريب. 

ولا غرابة أن هذه الأصوات تصدر عن جهات أو شخصيات لها باع طويل في العمل العسكري والأمني الإسرائيلي، فقد أثبتت سيف القدس فشل كل المحاولات لخلق حالة من الاغتراب عن القضية الفلسطينية لدى فلسطينيي الداخل المحتل بعد أكثر من 70 عاما على الاحتلال الإسرائيلي، والعكس صحيح. فلم تعد الساحات بعد سيف القدس غريبة عن بعضها البعض، وقضاياها منفصلة على قاعدة خصوصية الساحات التي حاولت منظمة التحرير تكريسها والتنظير لها.

هذا تسليط سريع للضوء على تأثير سيف القدس على الوعي الجمعي الإسرائيلي، الذي تشير آخر الإحصائيات أنه فقد الشعور بالأمن. لكن ليس هذا المهم أو الأساس في المقالة، وإنما ما يجب لسيف القدس أن تفعله أو تنشطه في وعينا الجمعي الفلسطيني، وما الأثر الذي يجب أن تتركه، وكيف يمكن لهذا العمل الذي يشبه في طبيعته فعل الاستشهاد أن يتحول إلى مصدر رسالة استراتيجية. 

إن ما سبق يدفعني للإشارة إلى عدة نقاط على شكل نقد: 

  • بالغ الجمهور الفلسطيني في فهم النتائج المادية المباشرة لمعركة سيف القدس، معتقدا أنها جولة ما قبل نهاية الصراع، وأنها قادرة على وقف كل أشكال الاعتداء الإسرائيلي، لذلك أصبح هناك استدعاء سريع للمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة مع كل حدث يجري بالضفة أو القدس، ولعلّ تصريحات بعض الناطقين الإعلاميين والقيادات السياسية قد ساهم في ذلك. 

  • الاحتلال الإسرائيلي يمتلك قوة عسكرية هائلة لا يمكن مقارنتها بقوة المقاومة الفلسطينية، وفي هذه المرحلة من عمر الصراع لعلّ الهدف القريب الذي يمكن تحقيقه هو تبديد شعور الأمن لدى جمهور المستوطنين على قاعدة أنه جمهور هجرة، و"إسرائيل" كيان من المهاجرين، وكلما تبدد الشعور بالأمن كلما قلت الهجرة إلى الأراضي المحتلة وزادت الهجرة العسكية، وهذا إلى جانب أنه يلعب دورا مهما في مستقبل "إسرائيل" يؤثر أيضا على سلوكها العدواني على المدى المتوسط الذي يحاول أن يتجاوز حالة المواجهة من خلال تخفيف حدة عدوانها.

  • ساهمت سيف القدس في تطوير حالة الاشتباك بالضفة الغربية، والحراكات في الداخل المحتل، والمواجهة الشعبية في القدس، وهذه التطورات تقع في صلب رسالتها وجوهر أهدافها. وهذه الجبهات الثلاث هي الأخطر على الاحتلال الإسرائيلي، وتطور العمل المقاوم فيها بأشكاله المختلفة يحقق أهدافا سريعة بالغة الأهمية في الصراع مع الاحتلال. وهذه الجبهات ذاهبة باتجاه أخذ زمام المبادرة، وأي تراجع فيها لصالح العمل العسكري المركزي في قطاع غزة (جولات القتال) لا يصب لا في صالح أهداف سيف القدس ولا المقاومة بمفهومها الشامل والواسع.

  • لا شك أن مرور مسيرة الأعلام والاقتحامات في المسجد الأقصى وما رافقه من سلوك غير مسبوق أضر بتصور الجمهور الفلسطيني لنتائج سيف القدس، لكن ذلك ليس خللا في المعركة ونتائجها بالدرجة الأساس، وإنما في استنتاجنا الأساسي حولها، وفي تقدير الموقف لدى بعض الشخصيات حول تأثيرها المباشر على الاحتلال. أما معادلة سيف القدس وما رسختها من قواعد اشتباك، فهنا لا بد من إشارة مهمة، هو أن الحروب بالأساس هي التي تصنع قواعد الاشتباك، وسيف القدس كانت جولة أقرب إلى الحرب، واستطاعت بالفعل أن تصنع قواعد اشتباك مهمة تخص القدس، لكن عندما يدور الحديث عن القدس كمركز للصراع مع الاحتلال الذي يحاول بكل قوته إلى تحويلها لقاسم مشترك هوياتي لجمهوره المشتت ثقافيا واجتماعيا وسياسيا، فإن مراجعته لقواعد الاشتباك تكون سريعة، فالحديث لا يدور عن مستوطنات شمالية ولا جنوبية، بل عن مركز الصراع، وهذا ما يفسر سلوكه العدواني غير المسبوق في القدس بالفترة الأخيرة، والسؤال: هل لدى المقاومة القدرة والطاقة على خوض عدة معارك وحروب في فترة قصيرة نسبية لتثبيت قاعدة اشتباك رسختها سيف القدس. هنا لا بد من الواقعية المبنية على حسابات الواقع وتقديرات الميدان وهذا لا شك أن من يتحكم به ويقدره هم من يعرفون ما يمتلكون من قدرات وقوة للمواجهة وما يحاولون تطويره وما تم تطويره؟!.

  • إذا درس الفلسطينيون الواقع الحالي للصراع وما يجب فعله وما يؤلم الاحتلال أكثر، لا بد وأن يأخذوا بعين الاعتبار أن شابا فلسطينيا بمسدس منع التجول على تل أبيب لساعات، تماما كما فعلت مئات الصواريخ، لكن الأخيرة كان رد الاحتلال عليها بمجازر وتدمير بيوت وأبراج، أما الأولى فقد أفقدت الاحتلال قدرته على تحديد هدف كبير للانتقام، وفي حسابات الربح والخسارة حتى على المستوى النفسي والاجتماعي والاقتصادي كان للثانية أثر أكبر، ماذا يعني ذلك؟ يعني أن على الفلسطيني أن يختار الخيار الذي يكلف الاحتلال أكثر ويفقده القدرة على الرد. 

ما سبق يشير إلى عدة مسائل يجب أخذها بعين الاعتبار عند نقد سيف القدس، أهمها أن النقد الأشمل والأوسع هو الذي يعطي نتائج أكثر وضوحا، والقصد من ذلك أن تقييم كل الحالة الفلسطينية يمنحنا القدرة على تحديد الخيارات الأكثر أولوية، أما البقاء في دائرة سيف القدس والتعامل مع السلوك الإسرائيلي كميزان للحكم على نتائجها، هذا يظلمها ويظلمنا. هذه المعركة رسالتها كانت واضحة: قاوموا فهذا هو السبيل الوحيد، ولتكن قواعد الاشتباك مهمة كل الفلسطينيين وليس ساحة دون أخرى، وشكل مقاومة دون آخر، تعالوا جميعا نثبّت قواعد الاشتباك.

##مسيرة_الاعلام_والاشتباك_المستمر