شبكة قدس الإخبارية

نتائج انتخابات جامعة بيرزيت: تآكل شرعية السلطة والمقاومة تعزز حضورها

GrL7O

رام الله - خاص قُدس الإخبارية: انتهت انتخابات مجلس طلبة جامعة بيرزيت بنتيجة يجمع معظم المراقبون والمحللون على أنها تمثل "هزة" سياسية، في ظل التفوق "الكاسح" الذي حققته الكتلة الإسلامية الجناح الطلابي لحركة حماس على حركة الشبيبة الطلابية الذراع الطلابي لحركة فتح.

حجم الفوز الذي حققته الكتلة الإسلامية في الانتخابات يفتح النقاش على عدة أسئلة تتعلق بالدلالات السياسية والاجتماعية للنتائج، والمؤشرات التي تقولها عن شكل المستقبل خاصة في الضفة المحتلة، وتأثيراتها على الأطراف الفاعلة في المشهد السياسي الفلسطيني خاصة حركتي حماس وفتح.

فوز متوقع ولكن الحجم مفاجئ

يرى الكاتب والباحث السياسي ساري عرابي أن فوز الكتلة وتراجع الشبيبة في الانتخابات كان "متوقعاً"، لكن حجم الفوز كان مفاجئاً.

وأوضح في لقاء مع "شبكة قدس": أسباب هذا التفوق متنوعة بينها أثر معركة سيف القدس وتعزيز حضور حماس على المستوى الثقافي والإعلامي والذهني لحماس بين الجماهير الفلسطينية في الضفة، وليس بالضرورة أن يكون هذا الحضور على شكل أيدلوجي بل سياسي.

وأشار عرابي إلى حضور رموز حماس مثل محمد الضيف بين الأجيال الجديدة، وأردف قائلاً: معركة غزة عام 2014 خلقت تقدماً للكتلة في انتخابات عام 2015 ومعركة "سيف القدس" عام 2021 ساهمت في هذا التفوق في انتخابات أيار/ مايو 2022.

واستدرك قائلاً: لكن هذا التحليل لوحده غير كافٍ، الحقيقة أن شرعية السلطة تتآكل وهذا ينعكس على حركة فتح التي ترتبط عضوياً بالسلطة، الجماهير لم تعد تصدق ما تقوله الحركة، تأجيل الانتخابات التشريعية وملفات الفساد وقمع المتظاهرين كل هذا ينعكس على النتائج، حتى محاولة فتح تصدير تاريخ مقاوميها وشهدائها والمطاردين لم يمر على الجمهور رغم أن قيادة الحركة تتقن لعبة أن تقول شيئا وتفعل نقيضها.

السلطة تتآكل

وقال عرابي إن "من يشرف على حركة الشبيبة الطلابية حالياً ليس تياراً مقاوماً داخل الحركة بل السلطة الفلسطينية نفسها".

ويعتقد أن "الحالة الكفاحية في قطاع غزة أقنعت الأجيال الجديدة بالتصويت للكتلة الإسلامية"، ويرى أن تفوق الكتلة الإسلامية في أصوات الطلاب الجدد بالجامعة هي حالة تاريخية غير مسبوقة.

وأضاف: حضور حماس في الشارع غير واضح مثل فتح التي تمتلك السلطة، لكن واضح أن حضور رموز مثل الضيف وأبو عبيدة يجعل الطالب الجديد يتعرف على فكر حماس.

الجيل الجديد متحرر 

وحول توجهات الجيل الجديد، قال: الجيل الجديد متحرر من الانعكاسات السلبية لانتفاضة الأقصى التي استنزفت الكوادر التاريخية للفصائل وبينها حماس وللمجتمع الفلسطيني الذي تعرض لحملة "كي الوعي"، ومن آثار الانقسام ويعرف حركة حماس من أبو عبيدة ومحمد الضيف وليس من الصراع على السلطة.

ويؤكد أن "الأداء الملحمي للمقاومة في غزة من عام 2014 حتى 2021 هو الذي أعاد صياغة هذا الجيل الذي يؤيد حماس دون التزام تنظيمي أو فكري أو ديني بالمعنى المباشر والمعروف".

هل تمثل "سيف القدس" معركة الكرامة لحماس؟

يعتقد عرابي أن "حرب 2014 و2021 كانت يمكن أن تكون معركة كرامة بالنسبة لحماس" أي أنها تشبه "معركة الكرامة" التي ساهمت في صعود حركة فتح، واستدرك قائلاً: لكن الظروف التاريخية بين هذه المعارك ومعركة الكرامة مختلفة، أولها أن النظام العربي مهزوم واضطر أن يسمح لفتح بالتمدد فضلاً عن وجود قوى قومية دعمت هذا التوجه مثل نظام عبد الناصر والنظام العراقي الذي أراد استثمار الحالة النضالية الفلسطينية في مواجهة الرجعية العربية، عدا عن وجود قوى دولية داعمة مثل الصين والاتحاد السوفيتي.

وأضاف: لكن حالياً حماس غير قادرة على ممارسة المقاومة بشكل مستمر بحيث تفرض على العالم أن يقدم لها مبادرات جدية، ونرى حصار غزة مستمراً رغم الحروب التي خاضتها المقاومة، القدرة ضعيفة على الإشغال المستمر للاحتلال الإسرائيلي.

وأشار إلى أن الظرف الإقليمي أقوى من حركة حماس، وقال: جزء من النظام الإقليمي العربي متحالف مع الاحتلال الإسرائيلي، إذا ما هي القوى التي ستدعم حركة حماس في قيادة الشعب الفلسطيني.

وتابع: المقارنة بين تجربتي حماس وفتح في مرحلة معركة الكرامة ظالمة، لكن هذا لا يعني أن حماس ليس لديها قصور وأزمات متعددة، لا نفهم لماذا لا يوجد محاولات لتطوير تحالف سياسي مع قوى المقاومة على مستوى تحالف عام وإدارة مختلفة لقطاع غزة، وواضح أن حماس غير قادرة رغم المد الجماهيري والهبات في الضفة غير قادرة على استعادة عافيتها التنظيمي، يجب أن لا تأخذنا سكرة الانتصار في جامعة بيرزيت، الانتصار سببه ظروف سياسية مختلفة وليس قوة تنظيمية.

فتح خسرت الأصوات المترددة
ويتفق الباحث والمحاضر الجامعي، عبد الجواد حمايل، مع الرأي الذي يقول إن "فوز حركات المعارضة والتي تنتمي لخندق المقاومة بشكل واضح كان أمرا متوقعا، ولكن حجم النتيجة وحجم الفارق الذي يشارف على الألفين صوت وعشر مقاعد كان مفاجئاً".

وأضاف: خاصة أن حركة فتح ضخت قوتها التنظيمية والمالية في استقطاب أكبر عدد من الأصوات الممكنة.

وأشار حمايل إلى ما أسماه "سراً يعلمه الجميع في انتخابات جامعة بيرزيت" وهو أن حجم الكتل يرتبط بشكل أساسي بحضورها في المجتمع الفلسطيني، وأوضح: حجم الكتلة يرتبط بحجم العائلات والحيز الاجتماعي الذي ينتمي بشكل أو اخر إلى حماس، وحجم فتح يرتبط بحجم العائلات والحيز الاجتماعي الذي تربطه علاقة مع فتح، وهذا لدرجة ما صحيح، بمعنى إن كل كتلة تستطيع تحصيل ما يقارب الـ 14 -18 مقعد دون جهد كبير في تحصيل اصوات خارج حيزها الاجتماعي المباشر ورافعتها التنظيمية. 

ويرى حمايل في لقاء مع "شبكة قدس"، أن "ما خسرته فتح هي تلك المقاعد التي كانت في الماضي تنقسم بينها وبين الكتلة، المقاعد التي تشكل حيزاً كبيراً من المزاج الفلسطيني العام، أي الأصوات المترددة"، ويعتقد أن "اليسار لم يتمكن من طرح نفسه كبديل عن الثنائي بحيث يحصل على بعض تلك المقاعد". 

مؤشرات الانتخابات: انتقال المجتمع من العزوف للمقاومة

وحول المؤشرات التي تقولها الانتخابات، يقول: أهم ما يمكن قوله إن فتح كحزب يرتبط بالسلطة والقيادة الحالة للسلطة تتعرض لحالة تآكل بطيء، أسبابه الإصرار على استمرار نهج السلطة المتمثل بالريع المادي مقابل التنسيق الأمني، حتى في خضم أحداث انتفاضة كبرى.

ويضيف:  لطالما كان لفتح موقف من هكذا تطورات، بل عندما كانت ترى الانتفاض يلوح في الأفق كانت لا تقف في وجه المجتمع وإمكانية الانتفاض، بل تضخ قوتها. 

واعتبر حمايل أن "ما يحصل الآن يعبر عن الانفصام بين أنصار وقاعدة الحركة والقيادة الضيقة لها، انفصام قوامه انسلاخ القيادة عن أي أطروحة تقربها من أي نمط من أنماط المقاومة المشتبكة مع تطلعات المجتمع الأوسع، وستدفع فتح ثمنا لسياسات قادتها". 

وعن ما تقوله لحماس، يقول: على  حماس الا تقرأ هذا الفوز على أنه اتساع لقاعدتها، ما تعبر عنه الأصوات التي تدفقت تجاه الكتلة هي انتقال المجتمع من حالة العزوف عن المواجهة بعد الانتفاضة الثانية إلى استعادة الثقة بالذات وامكانية المواجهة، هو صوت يعبر عن التحول نحو الثقة بالمقاومة ودورها، حماس تتصدر لانها حزب المقاومة خاصة عندما تتدفق أصوات من خارج قاعدتها الاجتماعية المباشرة. 

ويؤكد أن "هذا تصويت رافض لأداء السلطة في كل المجالات"، وأوضح:  منذ على الأقل 2012  ومشروع الدولة يموت والسلطة ما زالت تغرد خارج التاريخ، ما زالت تصر على الحديث بلغة مشروع لم يعد أحد يوليه أهمية حتى داعميها، تعيش على حقن مالية أوروبية و تتآكل من داخلها، حتى قاعدتها بدأت تنسلخ عنها خاصة في مواقع تكثر فيها المواجهة مثل نابلس وجنين وطولكرم.

وتابع:  هذا التآكل مستمر أساسه ضيق المنظار الذي توظفه قيادتها في قراءة الواقع، فهو منظار فقط منهمك في المصالح المادية الضيقة لشبكة اجتماعية ضيقة، ومنهمك أيضا في من سيخلف الرئيس الحالي، وبالتالي موقفها الحالي هو الانتظار والتوجس من المنافس الفتحاوي الداخلي الذي يمكن له أن يأخذ السلطة، المفارقة أنه قد لا يكون هناك سلطة حتى يخلفها أحد.  

ما المختلف في تجربة جامعة بيرزيت؟

يعتقد حمايل  أن "الجامعة نفسها انبثقت من داخل تيارات سياسية متعددة ليبرالية ويسارية وقومية، وبالتالي منذ لحظتها التأسيسية لم تكن الجامعة تابعة لتنظيم محدد، بل إلى الكل الفلسطيني المنضوي في الحركة الوطنية (ضمن حدود لتلك المقولة)".

وأضاف:  هذا ما يجعل بيرزيت مختلفة، أنها تمثل وتنعكس فيها صورة فلسطين الأوسع، طبعا بمحدودية مرتبطة بعزل قطاع غزة عن الضفة، ما يهم هنا أيضا أن الانتخابات تتويج لعمل نقابي وسياسي دائم للكتل الطلابية، ونشاطات طلابية مختلفة، اضطرابات وصراعات وتمرد وخدمات وغيرها من النشاطات. 

ويشير إلى أن "هناك ما هو أهم من فوز كتلة على حساب أخرى في معادلة بيرزيت، يوجد  اتفاق على حدود اللعبة بين الكتل، ورعاية لهذا الاتفاق المتمثل بمجتمع بيرزيت الأوسع، وهذا ما يجعلها تستقطب أيضًا طلاباً من كل الضفة  والداخل والقدس، إنها تمتلك هذه الروح". 

ويعتقد أن " بيرزيت لا يمكن لها أن تبقى الاستثناء، بل عليها أن تكون نموذج من عدة نماذج داخل هذا الوطن"، وقال: ربما نجاح بيرزيت هو في أن تجد من يتجاوزها. وهذا يرتبط تحديداً بدور قيادة الجامعات، برؤية الجامعات لنفسها كمكان يتعدى الشهادة والمساقات والريع المادية، أي الجامعة كمكان تربوي يتمثل أيضا في كل ما يحصل خارج جدران الجامعة".

ما المطلوب من قوى المعارضة؟

يشدد حمايل على أن قوى المعارضة عليها أن "تكون على قدر المسؤولية النقابية المنوطة بها"، وأوضح: توجد قضايا هامة لمستقبل بيرزيت لا تقترن فقط بالجو السياسي العام بل هي قضية علينا جميعنا في الجامعية متابعتها: نوع وشكل وفلسفة التعليم، إتاحة التعليم بشكل عادل للجميع، ما الذي يريده الطالب من المسار التعليمي، تعزيز البحث وأنواع البرامج وغيرها من القضايا الهامة لمستقبل الجامعة. 

وتابع: على هذه القوى بناء خطاب ذكي بحيث يبنى تيارات تتعدى الأيديولوجيات الحزبية بل تخترق القاعدة الاجتماعية والسياسية لاحزاب السلطة، كل التيارات التي تستطيع التحدث مع بعضها البعض تحت توافق على ضرورة وأهمية دعم المقاومة هي تيارات تجنبنا الكثير من الصراعات الداخلية المرهقة للجسد الاجتماعي الفلسطيني.

هل يمكن البناء على خطاب الشبيبة حول المقاومة في المستقبل؟

يقول حمايل: لا أعلم، هذا سؤال مركب بحيث يمكننا القول أن مراكز القوة في فتح لا تتبنى هذا الخطاب ولا حتى تؤمن به ولكن تستخدمه وتقوم بتوظيفه بشكل يخدم وجودها وبقائها. 

وأضاف: من جهة أخرى قاعدة فتح ترى فتح من عيون هذا الخطاب الوطني الذي يستحضر نضالات أسرى فتح، وتاريخها وبعض تياراتها المتمردة على سياسات القيادة الحالية،  لا اعلم من ينتصر: وعي فتح التاريخي أو حاضرها السياسي، ذاكرتها او شركاتها وأموالها، نضالها الذي سُيحيها ويُحينا أو وقوفها سدا امام قدرتنا على بناء وابتكار أدوات لمواجهة. المهم أنه يبقى هذا سؤالاً مهماً لنا جميعا ولأابناء فتح.

وتابع:  إذ ما كان هناك درسا في مسيرة ياسر عرفات، درسا يمكن الاستفادة منه، أنه كان يعلم أنه لا يستطيع الوقوف أمام انتفاضة شعب، بل كان يضخ عضلات فتح عندما تنضج ظروف المواجهة. إما أن تضخ عضلاتها في منع المواجهة فهذا بأقل تقدير سيكلفك سياسيا ويجعلك م ومؤمن أكثر بأن لا مستقبل سوى من خلال التماهي مع العدو- التنسيق الأمني مقابل الريع المادي.    

كيف نفهم الجيل الجديد؟
ويرى حمايل أن "أهم ما يمكن القول أن هذا الجيل أولا هو خلاصة ما زرعته الأجيال التي سبقته فيه بالمعنى التربوي. جيل حذر، وذكي، يعشق الصورة وحركة الصورة، لا يمتلك سرديات كبرى ولكن يمتلك حس بأهمية الفعل المادي المباشر، معلق بين البحث عن الارتقاء الطبقي وبين العيش في ظل عنف الاحتلال".

وأردف قائلاً: هذا الجيل لا يرى التغيير تهديدا وجوديا عليه، والأهم أنه على عكس الأجيال الماضية لا يأخذ نفسه على محمل الجد دوما، يرى السخرية في الجاد، والجاد في السخرية، هناك الكثير مما يعيق تحرك هذا الجيل ككتلة سياسية أهمها أيضا ثقل الأجيال السابقة، ولكنه جيل في مرحلة تجاوز ما كان أيديولوجيا وسياسيا،  بالطبع لا يعني أنه لا يمتلك كل التناقضات القديمة، الماضِ دوما موجود في الحاضر، كما أن الحاضر يدلل على كل الامكانيات المستقبلية، والأهم أن مع هذا الجيل نحن فقط لا نعلم.

 

#غزة #القدس #حماس #فتح #الضفة #الكتلة الإسلامية #أبو عبيدة #سيف القدس #محمد الضيف #حركة الشبيبة الطلابية #انتخابات جامعة بيرزيت