شبكة قدس الإخبارية

في نقد مفهوم "امشي الحيط الحيط وقول يا رب السترة"

download (11)
ثائر أبو عياش

تلعب الأمثال الشعبية دورا كبيرا ومهما في الحياة الاجتماعية للمجتمعات، ولها أيضاً دور كبير في بناء المعتقدات والقيم وتحريك العادات والتقاليد التي تساعد الجيل القديم على بناء الأجيال الجديدة، وما زالت هناك أمثال تعيش في المجتمع ذات تأثير كبير على الصعيد الإيجابي، إلا أن بعض الأمثال كان لها سبب في بناء هش ومتهاكل في أعمدته وتلعب دورا كبيرا في بناء سلوك اجتماعي ضعيف.

يقول عالم الاجتماع روبرت ميرتون: إن هناك وظيفة ظاهرة في الحياة الاجتماعية ووظيفة باطنة، وإذا قمنا بإسقاط هذه النظرية على المثل الشعبي سنجد أن المثل الذي نتحدث عنه "امشي الحيط الحيط وقول يا رب الستر" له وظيفتان، وظيفة ظاهرة تكمن في الابتعاد عن المشاكل ووجع الرأس الذي لا تكون في صالح الإنسان، ولكن الوظيفة الباطنة هي العجز عن مواجهة المشاكل والتربية على الهروب وأكثر من ذلك التربية على سلوك الجُبن.

يأتي المثال كجزء من الموروث الثقافي لأي مجتمع له بعده التاريخي، فالمجتمع الرأسمالي له أمثاله الخاصة، وللمجتمع الفقير أيضاً أمثاله الخاصة...، وتساعد هذه الأمثال على تشكيل وتوجيه المجتمع نحو "وعي مجتمعي" معين، ويسعى الإنسان نحو هذه الأمثال طوعاً أو مكرهاً ولكنها رغم ذلك تساهم في نمط فكري معين يختزل الرؤية نحو الكثير من القضايا المجتمعية وأكثر من ذلك نحو قضايا سياسية واقتصادية.

يعتبر المثل الشعبي خزانا ثقافيا على مدار التاريخ، ويساعد على معالجة الكثير من القضايا التي تواجه المجتمع، وعلى الصعيد الفلسطيني للمثل الشعبي دور مهم في مواجهة الكثير من القضايا ولكن أصبح هناك خلط واضح بين القضايا المجتمعية وقضية الاحتلال وأول مثل خاطئ استخدم في هذه الحالة المثل الذي تم تناولناه سابقاً لأن "السترة" لا تأتي بالابتعاد عن الاحتلال الذي اعتبره الجيل القديم "حائطا" وذلك يدلل على أن الجيل القديم يحاول توريث الجيل القديم حالة العجز والانهزام الداخلي للجيل الجديد ولكن بمبرر اجتماعي لفقدان مبررات أخرى مقنعة.

الخلط الخاطئ هو نوع من اليأس لأن الاحتلال هو الحائط الوحيد الذي يجب عدم الابتعاد عنه بل الارتطام به وليس القفز عنه، وعلى الأجيال القديمة أن تمنح الأمل للأجيال الجديدة عبر القول لها: "الغرقان بتعلق بقشة" ولدينا قشة نستطيع التعلق بها رغم هذا الحائط الكبير وكمثال على ذلك رغم الجدران والحصار على غزة ما زالت قادرة على قصف ما تسمى "تل ابيب".

 وللتوضيح أيضاً تعتبر "اتفاقية أوسلوا" من القضايا التي يجب اتخاذ قرار حاسم تجاهها ويعني ذلك رفضها وعدم القبول بها، وذلك يعني أنه لا يجوز أن تمشي بجانب الحائط وتقول: "يارب السترة" لأن أوسلوا لم تمنح الشعب الفلسطيني "السترة" لأنها "حائط" مائل وقع فوق رأس قضية الشعب الفلسطيني خصوصاً أنها حائط بدون طين، وإذا كانت مثل هذه الاتفاقية معضلة يجب الابتعاد عنها علينا أن نفكر من زاوية ثانية ونقول للأجيال الجديدة المثل الشعبي: "احذر من عدوك مرة ومن صاحبك ألف مرة".

لم تقل الأجيال القديمة للأجيال الجديدة شيئا عن ارتفاع الحائط مثلاً، أو عن لونه، أو مدى قوته، ولكنها اكتفت "بالسترة"، ووجدت الأجيال الجديدة نفسها تواجه الكثير من "الحيطان" منها ما هو سياسي وما هو اجتماعي وما هو ثقافي...، ولم تدرك الأجيال القديمة أن "حائط عن حائط يفرق، وسترة عن سترة بتفرق"، وأن " إللي إيده في النار مش زي إللي في المي"، ولم تدرك الأجيال القديمة أن من يضربك كف على خدك اليمين فتقوم بمنحه خدك اليسار ليس كمثل من يسرق أرضك وتاريخك وإذا قاومته يقوم بقتلك!. 

تحتاج الأمثال الشعبية إلى التمحيص والتدقيق وفهم المغزى الحقيقي لها وما تحتويه من رسائل، ولذلك علينا تعليم الأجيال الأمثال التي تساعدهم على بناء نسق ثقافي يناسب واقعهم "واقع الاحتلال"، والابتعاد عن الأمثال المليئة بالسموم، وعلينا أن ندرك حقيقة واحدة في ظل التغيرات الاجتماعية بين الأجيال أن الشيء الوحيد الذي لا يتغير هو الاحتلال وطريقة مواجهته لأننا لن نحصل على العنب دون أن نقاتل الناطور.

ليست الكلمات السابقة كما يقول المثل الشعبي الفلسطيني: " أبو فروة بيتلبد لَ أبو جاعد"، بل هي كما يقول المثل الشعبي أيضاً: " اسأل عن الرفيق قبل الطريق"، والقصد أن الطريق التي كان يمشي فيها أبو فروة كانت خائطة وأبو جاعد قرر البحث عن الطريق الصحيحة للمواجهة الاحتلال لأن أبو فروة يدرك ما يقوله المثل الشعبي: " الدار دار أبونا واجو الغرب يطحونا".

على الأجيال الجديدة في ظل الواقع الفلسطيني المعقد إدراك حقيقة واحدة " "إذا جنو ربعك عقلك حتماً ينفعك"، وأن الابتعاد عن الحائط هو حالة من الإحباط وهذا الإحباط سيولد نوع جديد من البكاء على الماضي وخسارة المستقبل، وعلى الأجيال القديمة ادراك حقيقة أيضاً أن الحائط ليس سوى بيت من العنكبوت هش وضعيف يمكن هدمه. 

وأقول ختاماً: لنعلم الأجيال ما يساعدها على مواجهة الاستهانةِ والمهانة، لنعلمهم الشعر خصوصاً شعر المقاومة، ولنعلمهم أدب المقاومة مثل قراءة غسان كنفاني، ولنعلمهم أيضاً التاريخ الفلسطيني ولنتحدث لهم عن النكبة والنكسة، ولتفهم هذه الأجيال المثل الفلسطيني القائل: "الحيط الواطي كل الناس بِتْنُطُّه"،  ولذلك على هذه الأجيال تقوية نفسها حتى لا يتسلط عليها الاحتلال وعليها أن تكون حائط منيع  مثل حائط عكا_ عكا لو بتخاف من الموج.. ما سكنَت على الشَط_ الذي هزم نابليون بونابرت في عام 1799.