شبكة قدس الإخبارية

صحراء النقب وحرب الشوارع في الفكر الصهيوني.. الإيمان دومًا بنفي الآخر كأساس وجودي

1-58-730x438
إسلام حامد

بدون سابق إنذار على السطح، خرج الاحتقان إلى الشوارع الرئيسية في جنوب فلسطين بشكل حضاري يعبر عن وعي تم حفره على مدى سنواتٍ طويلة في وجدان الجمهور الفلسطيني في الوطن المحتل عام 1948م، وتحديدًا في الامتداد البدوي الفلسطيني الأصلاني "Indigenous"، من خلال إغلاق المفترقات والطرق المهمة المحيطة بمدينة بئر السبع المحتلة.

أسماء تعود من جديد بعد تغييب قسري لها، "رهط، شقيب السلام، تل السبع"، بما تمثله من قبائل بدوية عريقة، لتقود الآلاف من فلسطينيي الداخل من الجليل الأعلى مرورًا بالمثلث الصامد، إلى نقب الثورة في مظاهرات إعادة الحق لأصحابه، والتي كانت أبرزها مظاهرة الخميس الماضي، والتي تُوجت بإغلاق الطرق الرئيسية في الجنوب الفلسطيني المحتل، ليعيد إلى الذاكرة أن الشعب الفلسطيني الحر قادرٌ على إسقاط حكم دولة الاحتلال الصهيوني على الأرض الفلسطينية.

وفي إطلالةٍ على بعض أبعاد الصراع في النقب الفلسطيني المحتل، يكمن في تنوع عمليات استهداف الجمهور الفلسطيني، من هدمٍ للقرى وتهجيرٍ لأخرى، والحرمان المنظم من أبسط مقومات الحياة المعاصرة كالتعليم والكهرباء والمرافق الحيوية العامة، يعامل الكيان الصهيوني الفلسطينيين في النقب كأنهم الطرف الآخر من المعركة ويجب الانتصار عليه.

هذا من جهة، ومن جهة أخرى تجسيد عملية الاستعمار الأخضر لبقايا التواجد الفلسطيني في النقب، من خلال العقيدة الصهيونية الكامنة في خلع الفلسطيني من أرضه وزرع شجرة بدلًا منه، في شكلٍ جديد لعملية التطهير العرقي -ومنه الجغرافي- للقرى والتجمعات الفلسطينية، لإكمال ما تبقى ناقصًا من جريمة النكبة بعد قرابة 74 عامًا، ليصبح الانفجار المحتم سيد الموقف.

وعليه، لن يعيد الفلسطيني نفس المأساة التي حصلت عام 1948م اليوم في النقب، لذلك في كل مرة تحدث فيها المواجهة مع الفلسطيني في الداخل المحتل، نرى أنه أصبح أكثر إصرارًا وتحديًا في مواجهة الكيان الصهيوني.

المنظور الصهيوني للأحداث والنابع من سياقات أمن اليهود في الجنوب وسيادة الدولة على أراضيها يقود إلى تفسير ما حصل، القناعة عند هذا الكيان بأن البدو الذين خرجوا في عملية احتجاج تحت عنوان "تحسين مستوى المعيشة والشكل المدني للتجمعات البدوية في الجنوب" انقلب إلى فوضى عارمة، تخللها إغلاق الشوارع الرئيسية وإلقاء الحجارة وقنابل الملتوف وإحراق الإطارات، في مشهدٍ يعيد للذاكرة القصيرة ما يحصل يوميًا في الضفة الغربية من مواجهات.

وعليه، يصبح التساؤل هنا -صهيونيًا- هل الصراع على الأرض من أجل الخدمات ومستوى المعيشة؟ أم أنه امتداد للصراع الديني على الأرض؟

المواجهة الأخيرة ذات الشكل الدامي في الجنوب بدأت بعد قيام طواقم الصندوق القومي الإسرائيلي بزراعة أشجار في أراضٍ بحسب الصندوق القومي تعتبر ملكًا له، بخلاف ما يعتبره البدو الأصليين بأن الأرض ملكًا لهم من قبل إنشاء الكيان الصهيوني نفسه.

هذه المواجهة الشرسة التي يعتقد الفلسطيني من خلالها بأنه يدافع عما تبقى من أراضٍ تتبع له، كونهم السكان الأصلانيين، وأعادت أيضًا للذاكرة ما حصل خلال معركة سيف القدس الأخيرة، عندما انتفض الشعب الفلسطيني في الداخل المحتل بكليته، دفاعًا عن المسجد الأقصى ودعمًا للمقاومة المسلحة في قطاع غزة، من خلال إحراق محطات الباصات وإغلاق الشوارع على امتدادها في الجغرافيا الفلسطينية.

 إن كل ذلك يمثل كسرًا لرمزية الوجود اليهودي في فلسطين وفي المنطقة بشكلٍ عام، ومع شعور اليهود اليوم أن دخول النقب أشبه بدخول الضفة الغربية، يقودهم إلى الخشية أكثر من أن دولة الكيان لا تسيطر إلا على عقول الضعفاء من الناس، في حين مجموعة آلاف من الفلسطينيين استطاعوا أن يسيطروا على رمزية سيادة الدولة بقطعهم الطرقات الرئيسية في البلاد.

حرب الشوارع في النقب المحتل تعيد صياغة الوعي الفلسطيني الجمعي من جديد، القادر على تغيير المعادلة، وأن ما يمثله الفكر الصهيوني من نفيٍ للآخر لا يقود إلا لنفي الذات الاستعمارية في محيطٍ معادٍ له، ليعود الحق لأصحابه دائمًا.