شبكة قدس الإخبارية

الهيمنة الإسرائيلية على الاتصالات والإنترنت.. أين نحن من الانفكاك عن الاحتلال؟ 

263505600_231110302428943_6714516859351527393_n
نداء بسومي

فلسطين المحتلة - خاص قُدس الإخبارية: مع تسلم محمد اشتية منصبه كرئيس للوزراء عام 2019؛ باشر بالإعلان عن خطة حكومته الاستراتيجية القائمة على الانفكاك التدريجي عن الاحتلال الإسرائيلي في مختلف مناحي الحياة، وتوطين الخدمات فلسطينيًا، والاستقلال شيئًا فشيئًا عن التبعية الاقتصادية للاحتلال. 

ولعل قطاع الاتصالات بشكل خاص من ضمن الخدمات الجدلية في القضية الفلسطينية، تبعًا للهيمنة الإسرائيلية عليها، إذ ينص ملحق اتفاقية أوسلو على فرض قيود لها تأثير سلبي على أداء قطاع الاتصالات، بما في ذلك تلك المفروضة على استيراد المعدات لشركات الاتصالات، وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات وتقييد حركة البضائع والأشخاص داخل المناطق المصنفة (ج) مما يعوق نشر وصيانة البنية التحتية.

ومن بين القيود المفروضة في محلق اتفاقية أوسلو، مطالبة "إسرائيل" بأن يمر المشغلون الفلسطينيون عبر شركة مسجلة  لدى الاحتلال للوصول إلى الروابط الدولية، وتعتبر مدينة حيفا المحتلة هي نقطة التقاء الكوابل العالمية والاتصال بالعالم الدولي، وفي تقريرها لعام 2019، ذكرت شركة "بيزك" الإسرائيلية أنها تقدم خدمات لمشغلي شركات اتصالات فلسطينية.

في عام 2012، عنونَت الصحف ومواقع الأخبار الفلسطينية صفحاتها عن "التحرر من الهيمنة الإسرائيلية" في الحديث عن اتفاق بين شركة الاتصالات الفلسطينية "بالتل"، وبين شركة "بانتل" التركية، ويقضي بمد كابل بحري تركي لتزويد "بالتل" بخدمات الإنترنت الدولية، وتؤكد "بالتل" على تنفيذ الاتفاق الفلسطيني – التركي، وبحسب الشركة فقد تم تمديد الاتفاقية لتشمل تزويد شركة الاتصالات الفلسطينية بوصلات نقل دولية وإنترنت لأعوام قادمة. 

وتضيف "بالتل" في تصريحات لـ "شبكة قدس": "تمتلك بالتل نقاط تواجد وأجهزة ربط في العديد من مراكز البيانات العالمية، مثل ألمانيا والمملكة المتحدة وفرنسا، ومن هناك يتم الربط بين بالتل وشركات تزويد الإنترنت من المستوى الأول ( tier1 internet providers)، أي أنه يتم التزوَد بالإنترنت من مصادر الإنترنت الرئيسة عالميًا وليس من إسرائيل".

وتوضح شركة الاتصالات الفلسطينية، أن حقيقة مرور الكوابل البحرية بحيفا ويافا لا يعني التزود بالإنترنت من شركات إسرائيلية بتاتًا، بل تعتبر حيفا نقطة عبور للكابل البحري الذي يحوي خدمات الإنترنت من نقطة بدايته من أوروبا، وبالشراكة مع مزودي الإنترنت عالميًا. 

من جانبها، أكدت شركة "مدى" لخدمات الإنترنت أن ما ينطبق على الفرد الفلسطيني الذي يرغب بالسفر إلى الخارج، أو التاجر الفلسطيني الذي يرغب بتصدير منتجاته، ينطبق حكمًا على شركات الاتصالات الفلسطينية، وتشير إلى أن "جميعنا لا نستطيع الخروج إلى العالم إلا عبر البوابة الإسرائيلية، وأنه دون الحصول على البوابة الدولية الخاصة بفلسطين كما أقرت اتفاقية أوسلو وملاحقها الخاصة بخدمات الاتصالات؛ فإنه يصبح من الصعب الوصول إلى مصادر الإنترنت العالمية إلا من خلال شبكة المشغل الإسرائيلي، والتي تستخدم للعبور من مناطق السلطة الفلسطينية وحتى نقاط الربط الموجودة في حيفا ومن ثم الانتقال منها إلى نقاط الربط العالمية في لندن وفرانكفورت وغيرها".

وتقول "مدى" لـ "شبكة قدس": "تتزود الشركة من أفضل المزودين في العالم في لندن وفرانكفورت ولا تحصل نهائيًا على خدمة الإنترنت من المشغلين لدى الاحتلال، عدا عن أن معظم المواقع الإسرائيلية لا تسمح نهائيًا لعناوين الإنترنت الفلسطينية بالولوج لها، وهذا ما يلاحظه الفلسطينيون، ويعاني منه المقدسيون تحديدًا الذين يعملون أو يسكنون في الضفة الغربية، ويحتاجون إلى استخدام المواقع الإسرائيلية كالتأمين والتأمين الوطني ودوائر السير والوزارات وغيرها، الأمر الذي تجاوزناه في مدى باستخدام بعض الحلول الفنية المعقدة".

ونوّهت "مدى" الى أنه يُمنع على الشركات الفلسطينية تنفيذ أعمال بنية تحتية لإيصال شبكاتها داخل "إسرائيل" بما يمكنها من الوصول إلى المعابر البحرية أو البرية وتحقيق الربط المباشر مع العالم، وتشير الشركة إلى أن حديث "بيزك" أو أي شركة إسرائيلية عن تقديم خدمات للشركات الفلسطينية، فهي قد تعني خدمة الربط البينيّ أو الحصول على مقاطع مستأجرة فارغة من أي محتوى "الماسورة الفارغة" للربط من خلال شركات إسرائيلية مختلفة، والشركات تحصل على هذه الخدمة مجبرة إذ بدونها لا تستطيع الوصول إلى مصادر المحتوى بأنواعه والإنترنت الذي تتزود به من مصادره العالمية، وهو الأمر الذي يسري على معظم الشركات الفلسطينية.

بسبب الاحتلال.. الأسعار مرتفعة

"هناك فواتير عالية ندفعها للمشغلين الإسرائيليين، ولا يوجد مهرب أو مخرج لتجاوزها بحكم الواقع السياسي كما أن هناك سيطرة كاملة للاحتلال على الحدود، فمن المستحيل أن نصل للعالم، إلا من خلالهم، وهم يحصلون على رسوم ليست بسيطة، ومن الطبيعي جدًا أن تزيد تكلفة الخدمة علينا بنسبة كبيرة مقارنة بأي مشغل إسرائيلي"، توضح "مدى".

وبحسب البيانات، فإن 400 ألف فلسطيني لديهم خدمة الإنترنت الفلسطينية من أصل 900 ألف بيتٍ في الضفة الغربية، أما البيوت المتبقية إما أنها ليست لديها أي خدمة إنترنت، أو أنها تتصل بالإنترنت بنظام بيتي تشاركي، إلا أنهم يحصلون على الإنترنت من مزودين إسرائيليين مباشرة. 

إضافة إلى ذلك، منحت اتفاقية أوسلو الشركات الإسرائيلية الحق في بناء وتشغيل شبكاتها وتقديم الخدمات في الضفة الغربية بحجة الحاجة إلى الوصول إلى المستوطنات غير الشرعية، ومكنت هذه السياسة الشركات من تغطية جميع مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة التي كانت لولا ذلك، ستغطيها الشركات الفلسطينية، عدا عن أن الاتفاقية أعطت الاحتلال سيطرة كاملة على الطيف الترددي للهاتف والراديو والتلفزيون والأقمار الصناعية وكذلك الطيف الرقمي لخدمات الهاتف في قطاع غزة والضفة الغربية. 

وفي عام 2019، صرح وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات الفلسطيني إسحق سدر، أن الاحتلال كبد الاقتصاد الفلسطيني خسائر بأكثر من مليار دولار، خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة بسبب القيود على قطاع الاتصالات الفلسطيني، وسط منع الاحتلال لشركات الاتصالات في فلسطين من العمل في 60% من أراضي الضفة الغربية الواقعة تحت السيطرة الإسرائيلية (المناطق المصنفة ج)، في الوقت الذي يطالب في الاحتلال الشركات الفلسطينية بالحصول على الاتصالات الدولية من خلال شركة مسجلة لدى الاحتلال.

ويقول وزير الاتصالات السابق مشهور أبو دقة إن سيطرة المزودين الإسرائيليين على 40٪ من السوق الفلسطيني، يعني أن الحكومة الفلسطينية لا تجبي 40٪ من ضرائب سوق الاتصالات، حيث إنها تجبي الضرائب من الشركات الفلسطينية، وتشغّل هذه الشركات موظفين والذين بدورهم يدفعون ضرائب أخرى للحكومة، فبالتالي فإن توجه الفلسطيني مباشرة للمزود الإسرائيلي يعني أن الضرائب والأموال تذهب للاحتلال، وهنا الحكومة هي الخاسر الأكبر، وفي الوقت ذاته الأهالي يريدون الأقل تكلفة بما يتناسب مع رواتبهم. 

وحول غلاء تكلفة الإنترنت الفلسطيني مقارنة بالاحتلال، يشير أبو دقة في حديثه لـ "شبكة قدس": "إن الفرق بيننا وبين إسرائيل هو أن السوق الفلسطيني غير متحرر، وما زالت الأغلبية تحكمها شركة بالتل، وهذا يعني أن أي شركة تريد أن تصل للبيوت، لا بد أن تمر بـبالتل عن طريق خط النفاذ أو أشباه خط النفاذ، وبالتل تحكم على عنق الزجاجة في هذه الحالة".

وللرد عن إمكانية التحرر من الاحتلال والتخلص من الهيمنة الإسرائيلية في مجال الاتصالات، يعقّب وزير الاتصالات السابق: "هذا ضحك على الأهالي البسطاء.. نحن حين نتوجه من منطقة أريحا لرام الله نحتاج أن ندخل على الشبكات الإسرائيلية، فكيف يمكننا أن نتحرر؟". 

وحاولت "شبكة قدس" التواصل مع وزارة الاتصالات الفلسطينية؛ دون رد رغم وعودات متكررة بالإجابة. 

#حكومة #اتصالات #احتلال #أوسلو #اشتية #إنترنت #انفكاك_اقتصادي