شبكة قدس الإخبارية

الجامعة وعنف الداخل والخارج

c9be8c03-d6e5-471c-94a8-1772d7759c86
عبد الرحيم الشيخ

 

في حروب الفلسطينيين ضد العدو، يصمت الراجعون إلى الخلف إلى أن "تهدأ المعركة"، وفي حروب الفلسطينيين ضد أنفسهم، نيابة عن العدو، يدعون إلى الصمت إلى أن "تهدأ النفوس". وبين "هدوء المعركة" و"هدوء النفوس"، وكلاهما مطلب إنساني بالتأكيد، يصرخ دمنا، ويبتهج العدو، فيما يعود هواة التشخيص الذين "يرون الذئب، ويقصُّون على الأثر" إلى لوم الضحية، وهي المنظومة الاجتماعية ذاتها التي جرى تخريبها بالوكالة بعد أن استبطن بعض الفلسطينيين عنف السلطة الاستعمارية الصهيونية.

ولذا، فعلى من لا يرون في عنف السلطة، وما تتوسَّله من أدوات السيطرة على العنف (غير الموجَّه إليها)، سواء بسيف العشائر، ذي الحدَّين، أو ببنادق الفرجة، ذات الزناد الواحد، الذي لا يطلق أفقياً أبداً... سبباً، لا مقدمة فحسب، لما يحدث داخل الجامعات... عليهم أن يلقوا بلافتة المنظومة الاجتماعية التي يحملونها، وهم يلومونها، جانباً. ودون إسقاط للمسؤولية الفردية لمن يرتكب العنف عن فعله الوحشي وغير الوطني بالتأكيد، هناك مسؤولية فعلية ومباشرة تقع على جزء من أبناء هذه المنظومة الاجتماعية والتربوية نفسها الذين يصمتون عن، أو يبررون لـ، أو يقومون فعلياً بقتل أبناء شعبهم، ورشِّهم بالغاز، وسحلهم في الشوارع، وانتهاك فتياتهم في ساحات الاحتجاج، وسجن أساتذتهم، وضرب مثقفيهم، وإخراس نشطائهم، وتحويل أجهزة الأمن إلى مرجعية لمسؤولي الكتل الطلابية الذين يفترض أن تكون مرجعيَّتهم الثقافة الثورية لـ"الكتيبة الطلابية"، في زمن غابت فيه الكتيبة وحضر الكَتبة-المخبرون.

تتولَّى السلطة بنفسها مواجهة عنف الاحتجاج ضدها، وفي كثير من الأحيان بأداءات لا تختلف كثيراً عن أداءات عنف الطلبة، فيما يتولَّى الاحتلال باقتدار مواجهة عنف السلاح النظيف بنفسه، أو عبر وكلائه. أما عنف الهندسة الاجتماعية الذي حرف بوصلة الفلسطينيين فلا يتولاه أحد، ومن أراد الهروب من مسؤوليته، قال: "كلام مثقفين"، إذ تلك حجَّة مريحة تبيح النفاق للسلطة والاحتلال في آن معاً، كما تجعل من دفن الرأس في الرمل فعلاً فكاهياً حيث الفكاهة جبن عن المواجهة.

بين بلاغة الليبراليين واعتذاريي السلطة التي تدين "عسكرة العمل الطلابي" وتطالب بـ"أمننة الجامعات"، وبلاغة الواقع هوَّة تشبه الموت... ولننظر، من حافتي هذه الهوَّة، إلى نموذجين لافتين: طلبتنا الفلسطينيون في جامعات العدو في فلسطين المحتلة في العام 1948 (جامعة "تل أبيب"  في الشيخ مونس مثلاً، حيث حضر العَلم وحضرت فلسطين)، وطلبتنا في جامعات فلسطين المحتلة في العام 1967 (جامعات "المحافظات الشمالية!" كلها مثلاً حيث غاب العَلم وغابت فلسطين، إلا لمقتضيات الفرجة). حيث لم يقم أحد بإشغال الطلبة عن الاحتلال، عرف الطلبة أن الأولوية تكمن في مواجهته والنفاذ من بؤبؤه، وحيث وجد العدو من يهديه مسافات عازلة عن المسافة صفر التي تتيح الاشتباك معه، أكل التنين الفلسطيني ذيله، حتى وصل الرأس... كما في الحياة، لا كما في الأسطورة.

الجامعات قلاعنا الثورية. صحيح.

لكنَّ "أهلي كلَّما شيَّدوا قلعةً هدموها".

 

#تعليم #مقاومة #جامعات