شبكة قدس الإخبارية

صراع وحدات النخبة الإسرائيلية.. هل تسقط "اليمام"؟

242292194_4395927963832552_2997919453728184447_n

فلسطين المحتلة - خاص قُدس الإخبارية: يعتبر الصراع بين وحدات النخبة الإسرائيلية واحدا من أبرز الصراعات داخل "المؤسسة الأمنية الإسرائيلية". وعلى مدار عقود حاولت كل وحدة منها تسويق نفسها على أنها القوة الأكثر دفاعا عن الإسرائيليين وذلك بهدف النجومية التي تحقق لها امتيازات فعلية، وانسجاما مع العقيدة الإسرائيلية تكريس لصورة البطل الخارق في مواجهة العدو، المستوحاة من التعاليم التلمودية.

كانت نقطة التحول الأهم في صراع وحدات النخبة الإسرائيلية، عام 1994، عندما تمكن جهاز "الشاباك" الإسرائيلي من تحديد موقع المبنى الذي أسرت فيه كتائب القسام، الجندي الإسرائيلي نحشون فاكسمان، ويقع في بلدة بير نبالا شمال غرب القدس. وضعت "المؤسسة الأمنية الإسرائيلية" عدة أهداف للعملية: السيطرة على المجموعة الآسرة، الإفراج عن الجندي قبل تمكن المجموعة من قتله، وعدم وقوع إصابات في صفوف القوة المهاجمة.

وخلال إعداد الخطة في مقر هيئة الأركان الإسرائيلية، كان النقاش الأهم والأكثر إشكالية يدور حول الوحدة العسكرية التي ستقوم بالعملية، والتي يجب أن تتحقق الأهداف الثلاثة مجتمعة. وقع الاختيار في النهاية على "سييرت متكال" وهي وحدة النخبة التابعة مباشرة لهيئة أركان جيش الاحتلال، وكانت في حينه تمثل رمزا للقوة الإسرائيلية. 

في 14 أكتوبر 1994 تحركت وحدة "سييرت متكال" باتجاه بير نبالا، لتنفيذ واحدة من أخطر المهمات التي أوكلت بها. في الكواليس، كانت وحدات النخبة الأخرى التي لم تحظى بـ"شرف المهمة" تراقب سير العملية، فيما يواعد عناصر وقادة "سييرت متكال" بعضهم البعض على تحقيق الأهداف الثلاثة وزيادة. 

حاصرت وحدة "سييرت متكال" المبنى، وطالبت المجموعة الآسرة بتسليم نفسها، لكن الأخيرة ردت بوابل من النيران، فوقع ما لم يكن متوقعا. قتل قائد قوة "سييرت متكال" النقيب نير بوراز، والجندي الأسير نحشون فاكسمان، وتحولت العملية إلى عار في تاريخ أهم وحدة عسكرية منذ نشأة الاحتلال، وليبدأ بعدها الصراع بين وحدات النخبة بشكل أكثر وضوحا. 

أهم وحدات النخبة الإسرائيلية: 

سييرت متكال: هي وحدة النخبة في القوات الخاصة في جيش الاحتلال الإسرائيلي مهامها ترتبط في العمليات الخاصة ضد المقاومة، وهي تابعة لوحدة العمليات الخاصة في شعبة المخابرات، ويتم تدريبها على جميع أنواع المهام القتالية. وعلى مدار عقود، اعتبرت الوحدة التي تأسست عام 1957 أنها الأهم لدى الاحتلال، ويقع مقرها في معسكر سيركين في مستوطنة "بتاح تكفا". 

وتولى خريجو وحدة "سييرت متكال" مناصب عليا لدى الاحتلال، بمن فيهم: إيهود باراك، الذي شغل منصب قائد الوحدة، ولاحقًا رئيس أركان جيش الاحتلال الإسرائيلي الرابع عشر، ثم رئيسا للوزراء، ورئيس الوزراء السابق لدى الاحتلال بنيامين نتنياهو، الذي كان شغل منصب قائد فريق، ورئيس الوزراء الحال نفتالي بينيت، الذي كان أحد جنود الوحدة.

اليمام: وحدة النخبة في ما يعرف بـ"حرس الحدود"، وتعتبر الوحدة الأهم لدى الاحتلال حاليا، وتسمى أيضًا "الوحدة الخاصة للحرب على الإرهاب" أو "وحدة الحرب على الإرهاب". تأسست الوحدة في عام 1974 كرد على زيادة عمليات أسر الجنود والمستوطنين من قبل حركات المقاومة الفلسطينية.

بعد ذلك، تم تكليفها بمهام وأدوار إضافية، من أهمها اغتيال واعتقال المقاومين، إذ تشارك في عمليات خاصة برفقة جيش الاحتلال وجهاز الشاباك. وبعد عدد من العمليات الناجحة خلال سنوات عملها، اكتسبت الوحدة رمزية عالية في "المؤسسة الأمنية الإسرائيلية" ولدى الجمهور الإسرائيلي، وتضم قناصة ومستعربين وخبراء متفجرات وكلاب بوليسية.

شيطيت 13: وحدة كوماندوز بحرية تابعة لسلاح البحرية الإسرائيلية، تأسست عام 1941 أي قبل احتلال عام 1948، وأطلق عليها اسم شيطيت 13 عام 1950، ويقع مقرها في "عتليت". تشمل تدريباتها بالإضافة إلى المهام القتالية النموذجية لقوات الكوماندوز البحرية، ولا سيما العمليات التي تتطلب الإنزال من البحر، وعمليات الاستيلاء على السفن، تدريب عناصرها على الإنزال من طائرات الهليكوبتر الهجومية، وعلى جميع أشكال الحرب البرية. خلال الانتفاضة الثانية، شارك عناصر الوحدة في العديد من عمليات الاغتيال والاعتقال في الضفة الغربية. 

وعملت الوحدة خلال الانتفاضة الثانية بشكل مركز في منطقة جنين، وقد شاركت في احتلال مخيم جنين خلال المعركة التي دارت فيه مع مقاومين فلسطينيين. وتتهم الوحدة بتنفيذ عمليات إعدام لفلسطينيين بعد إصابتهم، وفي عام 2004 اتهمتها عدة منظمات حقوقية بتنفيذ عملية إعدام بحق فلسطيني مصاب، لكن قادتها تذرعوا بأنه كان يحمل قنبلة يدوية في يده وكان يهم بإلقائها رغم إصابته.

صراع الهيبة والامتيازات

كما أشرنا سابقا، يدور بين الوحدات الثلاث صراع يطلق عليه بعض المراقبين العسكريين الإسرائيليين "صراع الهيبة". المهام الأبرز التي تحقق شروط "الهيبة" هي تلك المرتبطة باعتقال أو اغتيال مقاومين معروفين لدى الجمهور الإسرائيلي وكذلك الفلسطيني أو إنهاء عملية اختطاف بدون خسائر في صفوف الإسرائيليين أو الوحدة القتالية المشاركة في العملية. بسبب الخصوصية القانونية لبعض المناطق، كالضفة الغربية التي يعتبر جيش الاحتلال صاحب "الصلاحية" بالعمل فيها، تشارك وحدات النخبة مع الجيش في العمليات ولا تقوم بها بشكل منفرد.

ومن أجل تجاوز القيود القانونية على عمل وحدات النخبة، تسعى كل واحدة منها للحصول على تعريف "الوحدة الوطنية لمكافحة الإرهاب" أي "الوحدة القادرة على القيام بكل المهام الوطنية التي يجب القيام بها بما يعفيها من القيود القانونية المتعلقة بجغرافيا العملية أو الوسائل وغيرها من المحددات". كما أن هذا التعريف يعزز قوتها البشرية وأدواتها وميزانيتها ويحقق لها بناء أذرع مستقلة تابعة لها تعنى بجمع المعلومات والمتابعة والمهام القتالية دون الحاجة للتنسيق مع جهات أخرى. 

المقاومة.. سر سقوط هيبة النخبة 

 في ليلة 4-5 سبتمبر 1997، عبر  16 عنصرا من وحدة شيطيت بوابة إلى بستان في أطراف بلدة أنصارية في لبنان، لتنفيذ عملية لم يعلن عن طبيعتها وأهدافها حتى الآن، وبعد 41 دقيقة من بدء العملية، انفجرت عبوة ناسفة في خط سير الوحدة، واخترقت كرات حديدية كانت في العبوة أجساد عناصر الوحدة، التي قتل منها 11 عنصرا بالإضافة لطبيب عسكري كان يرافقها. ومن بين القتلى، كان قائد القوة اللفتنانت كولونيل يوسي كوركين.

حاول الاحتلال التغطية على فداحة خسائره بالتأكيد على رواية أن ما جرى لم يكن كمينا من طرف حزب الله، وإنما انفجار عبوة عن طريق الصدفة، أدى لانفجار العبوات التي كان يحملها عناصر الوحدة، لكن التحقيقات اللاحقة التي نشرت في القضية أشارت إلى أن حزب الله تمكن من رصد القوة من خلال العناصر البشرية والإمكانيات التقنية، وقد تحول الكمين إلى وصمة عار في تاريخ الوحدة منذ ذلك الحين. 

يعتبر كمين أنصارية الضربة القاضية الأهم، التي تلقتها وحدة شيطيت 13، إذ حيدتها عن الواجهة وحلبة الصراع بين وحدات النخبة الإسرائيلية، ولعدم وجود بديل عن "سييرت متكال" ظل ينظر لها على أنها الوحدة الأهم لدى الاحتلال. كانت "اليمام" في تلك الفترة تكتسب سمعة جيدة ولكن بشكل تدريجي بين وحدات النخبة. مع بداية الانتفاضة الثانية، أصبحت "اليمام" واحدة من أهم الوحدات العاملة في الضفة الغربية، لكن نشاطها الأبرز كان بعد عام 2005، ومنذ ذلك الحين حتى اليوم نفذت الوحدة ما نسبته 70% من عملياتها منذ تأسيسها.

لم تتخلى "سييرت متكال" عن الصراع مع "اليمام"، رغم صعود نجم الأخيرة في العقد الأخير واعتبارها "وحدة وطنية لمكافحة الإرهاب عام 2017"، وظلت تحاول القيام بعمليات تحقق لها الشهرة والنجومية بما يعيدها إلى ذهنية القيادة العسكرية والسياسية والجمهور الإسرائيلي، وكان القرار الأهم الذي اتخذته هو القيام بعمليات خلف خطوط العدو، وهي مناطق لا تدخلها "اليمام"، خاصة في قطاع غزة، الذي يعتبر مركزا مهما للمقاومة الفلسطينية.

لكن حلم "سييرت متكال" لم يتحقق، وتمكنت المقاومة الفلسطينية من إخراجها من حلبة صراع الهيبة والامتيازات إلى الأبد. ففي 11 نوفمبر 2018 تمكن مقاتلون يتبعون للقسام من اكتشاف أمر قوة من "سييرت متكال"، كانت تعمل بشكل سري في قطاع غزة، وخاضوا معها اشتباكا مسلحا أدى لمقتل نائب قائد القوة وإصابة آخرين. وكشفت تسجيلات صوتية بثتها كتائب القسام لاحقا بكاء عناصر القوة خلال إنقاذهم من قبل سلاح جو الاحتلال. 

الاحتلال يخشى سقوط هيبة آخر ما تبقى: "اليمام"

في 19 سبتمبر الجاري أعادت وحدة "اليمام" اعتقال الأسيرين المحررين مناضل نفيعات وأيهم كممجي بعد أن تحررا، في 6 سبتمبر، من سجن جلبوع، رفقة 4 أسرى آخرين، أعيد أيضا اعتقالهم. تعامل إعلام الاحتلال مع اعتقال آخر الأسرى المحررين على إنجاز كبير للوحدة، في محاولة منه للتغطية على الفشل الأمني الذريع، الذي مني به سبب عملية التحرر، والتي قال عنها مسؤول أمني إسرائيلي خلال مقابلة مع القناة 12 "حولتنا لأضحوكة في العالم". 

لكن في خلفية العملية، كشفت وسائل إعلام إسرائيلية من بينها قناة "كان" أن "المؤسسة الأمنية الإسرائيلية" علمت بوجود الأسيرين كممجي ونفيعات، في مخيم جنين، قبل تنفيذ عملية اعتقالهما بأيام، لكنها انتظرت خروجهما من المخيم، حتى لا تؤدي محاولة اعتقالهما إلى سقوط قتلى في صفوف القوة المهاجمة، ويدلل السياق الذي ذكرت فيه المعلومة إلى حساسية مطلقة، تجاه سقوط قتلى في العملية، بحجم تأجيل اعتقال أسيرين أضر تحررهما بصورة كل المنظومة الأمنية الإسرائيلية.

ولعلّ التفسيرات الأقرب للحقيقة لتأجيل اعتقال الأسيرين داخل مخيم جنين، بالإضافة لتهديد المقاومة في غزة، هو مخاوف الاحتلال من سقوط قتلى في صفوف "اليمام"، التي أصبحت رمزا مشتركا للإسرائيليين والفلسطينيين، وهو ما قد يؤدي أيضا على شعور الإسرائيليين بالقوة، ولو حدث ذلك، لسقطت هيبة "الأمن الإسرائيلي" مرتين، الأولى بحدث انتزاع الحرية عبر نفق، والثانية بسقوط هيبة اليمام، وسقوطها سيكون له تداعيات على الشعور العام الإسرائيلي، الذي ترسخت الوحدة في وعيه كقوة خارقة تسبب الضرر ولا تتضرر، وقد ساهم في ذلك عمل الماكينة الدعائية الأمنية، التي تستند على عقيدة أمنية تؤمن بوجوب بقاء نموذج للقوة يحقق الشعور بالأمان والفخر. 

 

#لبنان #الاحتلال #القسام #اليمام #جلبوع #نفق الحرية #مناضل نفيعات #أيهم كممجي #سيريت متكال #أنصارية #شيطيت 13 #نحشون فاكسمان