شبكة قدس الإخبارية

تبييض الاستيطان والمستوطنات

imgid=55106_A
راسم عبيدات

قلت وما زلت أقول بأن الكارثة الأساسية كانت في اتفاق أوسلو، الذي في تداعياته ونتائجه أخطر من نتائج وتداعيات النكبة، أوسلو الذي ندفع ثمنه حتى الآن، قسم الشعب والأرض وفكفك القضية، أوسلو يواصل المتمسكون به " اجترار" الحديث عن أنه "انتصار" للشعب الفلسطيني، بدلاً من أن يخرج مهندسوه لكي يعتذروا للشعب الفلسطيني عن هذه الكارثة، رغم أن الإحتلال لم يبق من الاتفاق سوى التنسيق الأمني "المقدس" وبرتوكول باريس الإقتصادي.

عملية الفكفكة والاختراق في النسيجين الوطني والمجتمعي لم تتوقفا، بل نشهد المزيد من النزف والإنهيار، لكي نصل إلى وضع مأزوم يكاد ينفجر في أي لحظة، فالسلطة بدون سلطة باتت على حافة الإنهيار، وسلطتها الوظيفية باتت متآكلة إلى درجة أنها أصبحت تستعين بالعشائر في حل المشاكل الإجتماعية وقضايا "الطوش" والإحتراب العشائري والقبلي، ليحل العرف والقانون العشائري بدل سيادة القانون.

السلطة كما قال الباحث الأكاديمي الصهيوني (مردخاي كيدار) في جامعة " بار ايلان" الصهيونية، يجب أن نتجه إلى "حكم الأراضي الفلسطينية عبر ما سماه بالأقاليم أو الإمارات السبعة، وبما يشمل ذلك قطاع غزة، حكم العشائر والعائلات، فالسلطة في حالة من الضعف والصراعات الداخلية، والثقة بها من قبل أنصارها قبل الشعب في تراجع كبير، وبات جزء كبير من الشعب يؤمن بأن هذه السلطة ليس لها أي مشروع وطني، بل مشروع استثماري لخدمة مصالح جماعات وفئات معينة، والاحتلال يريد توظيف هذه السلطة لخدمة مصالحه وأهدافه، ويستفيد من وجودها لخدمة وتنفيذ مشاريعه.

وصول السلطة إلى جافة الانهيار وتعمق أزمتها المالية، ولكي لا يكون هناك فراغ والخوف بأن لا يقود هذا الفراغ إلى حالة من الفوضى وسلطة المليشيات، بل أن تقدم قوى سياسية ومجتمعية منظمة على ملىء هذا الفراغ، دفع بالدوائر الإسرائيلية والأمريكية إلى وضع استراتيجية وخطط طارئة من أجل إنعاش هذه السلطة وبمدها بمقومات الوجود والبقاء.

عمدت الإدارة الأمريكية الى فتح قنوات اتصال مع قيادة السلطة، وأرسلت نائب وزير خارجيتها للشؤون الفلسطينية والإسرائيلية هادي عمرو لكي يلتقي بعدد من قياداتها ونشطاء مؤسسات ومجتمع مدني، ومن ثم وزير خارجيتها "بلينكن" طلب من رئيس وزراء الإحتلال بينت ضرورة دعم السلطة مالياً ودعم استقرارها ووجودها عبر مساعدات مالية وزيادة تصاريح العمل للعمال الفلسطينيين في القدس والداخل الفلسطيني- 48 -، وعودة وكالة التنمية الأمريكية "يو اس ايد" للعمل في الضفة الغربية وتنفيذ مشاريع خدماتية وبنى تحتية.

على أن يترافق ذلك بالعديد من اللفتات السياسية التي تحسن من صورة السلطة في أذهان الجماهير، وترفع من رصيدها وشعبيتها الأخذة في التآكل، دون التقدم بأي خطة أو مشروع سياسي للحل، بل الاستمرار في إدارة الصراع والتفاوض من أجل التفاوض، وتحويل القضايا الفرعية والثانوية إلى قضايا الرئيسية، وخوض التفاوض حولها، بدل القضايا السياسية الكبرى (وقف الإستيطان وإنهاء الإحتلال)، يدور التفاوض حول قضايا من طراز أموال المقاصة، ورواتب الأسرى وأهالي الشهداء، والتحريض في المناهج التعليمية.

فلا حكومة بينت قادرة على الخوض في عملية سياسية جدية، وهي المتوقف مصيرها على صوت واحد، تغيبه لسبب ما أو تصويته المضاد قد يطيح بها، وخاصة ان نتنياهو وقوى اليمين واليمين المتطرف تعمل بكل إمكانياتها من أجل اسقاط هذه الحكومة، التي وجودها برعاية أمريكية.

وكذلك السلطة الفلسطينية لا تمتلك أي قدرة جدية للتقدم نحو حل سياسي، وهذا الوضع المأزوم ولكي لا ينفجر في وجه الإدارة الأمريكية، التي لها أولوياتها في الإقليم والمنطقة الملفات الإيرانية والسورية والعراقية واللبنانية، أرسلت مدير مخابراتها المركزية "السي آي آيه" وليم بيرنز، وهو الدبلوماسي الأمريكي السابق والخبير في المنطقة، لكي يلتقي قادة حكومة الإحتلال، وقادة السلطة الفلسطينية، وبالذات قادة أجهزتها الأمنية ومنسق الشؤون المدنية مع دولة الإحتلال، فالوضع في المنطقة قد ينفجر ولا بد من ترتيبات في هذا الشأن،لخلق تحالف ضد طهران ومحورها.

تحالف يقوم على تعزيز التنسيق والتعاون بين الأجهزة الأمنية الفلسطينية والإسرائيلية، وكذلك بين الأجهزة الأمنية الفلسطينية والأمريكية، وتنسيق بين الأجهزة الثلاثة فلسطينية واسرائيلية وأمريكية فيما يتصل بالإقليم.

قبل الحديث عن زيارة وليم بيرنز مدير المخابرات المركزية الأمريكية، لا بد من القول بأن الحديث يجري عن وثيقة خطيرة نتجت عن زيارة ولقاءات المسؤول الأمريكي هادي عمرو نائب وزير الخارجية الأمريكية للشؤون الفلسطينية والإسرائيلية ‘لى رام الله واللقاء بقادة أجهزة امن السلطة ورئيسها، ما عرفت بوثيقة 14 تموز، هي بشكل مكثف دعوة بعد السيطرة على الأمن الفلسطيني للسيطرة على الإعلام والتعليم ، بفرض رقابة مشددة على وسائل الإعلام الفلسطينية ومناهج التعليم الفلسطينية وتفعيل اللجنة الثلاثية الأمنية الأمريكية- الإسرائيلية - الفلسطينية، وتدقيق وثائق وحسابات وزارة مالية السلطة من قبل شركات محاسبية عالمية، في مقدمتها الشركة الأمريكية (برايس ووتر هاوس).

وفي إطار تبيض صورة السلطة أمام الجماهير الفلسطينية وتقويتها وإتاحة المجال أمامها، يبدو بأن بيرنز مدير المخابرات المركزية الأمريكية، دون أن يمارس ضغوطاً جدية على "إسرائيل"، سيرتب مع قادة دولة الإحتلال طريقة وتوقيت إعادة فتح القنصلية الأمريكية في القسم الشرقي من المدينة، وكذلك العمل على اعادة فتح مكتب المنظمة في واشنطن ،وربما الخطوة الأهم وهي الأخطر وهي العمل على تبييض وجود المستوطنين والمستوطنات على الأرض الفلسطينية وشرعنتها، مقابل الموافقة على السماح للسلطة بالبناء المحدود في منطقة "ج" ،وهذه القضية على درجة عالية من الخطورة، والتي سيستغل فيها الرأي العام الفلسطيني بالخداع والتضليل، بأن هناك انجازاً سياسياً متحققاً على طريق الحرية والإستقلال وانهاء الإحتلال.

وأنا شخصياً أحذر بأن هذا منزلق خطر جداً، منزلق يقود إلى التسليم بأن قضية شعبنا، هي قضية مال ومشاريع اقتصادية وصفقة بلغة مستشار الرئيس الأمريكي السابق كوشنير، وليس قضية أرض ووطن وشعب يريد التحرر وإنهاء الاحتلال، وأنا لا أستبعد بأن اليد الأمريكية طرف فيما يجري من ترتيبات في قضية الشيخ جراح، وهي القبول بما عرف بتسوية قضاة محكمة " العدل" الصهيونية بالإعتراف بملكية الجمعيات الإستيطانية للأرض مقابل اعتبار سكان حي الشيخ جراخ الحاليين مستأجرين محميين.

تلك الصفقة التي ستترك نتائجها وتداعياتها على غيرها من الأحياء المقدسية المهددة بنفس مصير سكان حي الشيخ جراح، احياء " بطن الهوى" في سلوان و"كبانية أم هارون" في الشيخ جراح ، وبالمناسبة هناك صفحات ممولة تديرها العديد من الجهات حول قضية حي الشيخ جراح، يبدو بأن تلك الجهات التي تديرها مرتبطة بجهات اسرائيلية وأمريكية.فهي تنظر لهذا الحل وتشن حملة على حركة حماس وقوى المقاومة متهمة إياها بأنها تسعى لتوتير الوضع وزيادة حدة المواجهات في مدينة القدس.

نعم في القريب العاجل سنشهد الكثير من الحملات الممولة والخداع والتضليل الإعلامي، والكثير من الأموال التي ستدفع لتسويق ما يجري وتصويره على أنه انتصارات فلسطينية، ولذلك المطلوب درجة عالية من الحيطة والحذر ووضوح الرؤيا.