شبكة قدس الإخبارية

باحثون مقدسيون: هبة باب العامود يجب أن يُبنى عليها

القدس المحتلة - قُدس الإخبارية: لا تزال تداعيات ما جرى في باب العامود والقدس ككل خلال الأسبوعين الماضيين من مواجهة بين الاحتلال والشبان المقدسيين تسيطر على النقاش في المجال وفي أوساط مختلفة، فهناك من يرى أن الهبة التي تلت إجراءات الاحتلال في باب العامود بحاجة إلى تفكيك لفهم أساسيات الصراع في المدينة التي يُنظر لها كأكثر حيز جغرافي متوتر في فلسطين. 

واعتبرت الناشطة والصحافية المقدسية هنادي القواسمي في لقاء مع برنامج المسار الذي يبث عبر "شبكة قُدس"، أن ما حصل في باب العامود يعتبر انتصارا للمقدسيين، ويشكل نوعا من "تحريك" الركود والجمود الذي ساد المدينة خلال العامين الأخيرين بعد هبة باب الرحمة وانتشار فيروس كورونا، قائلة، إن ما حدث بالأمس يعطي دفعة للمقدسيين لاستكمال هذا المشوار، لأن أحداث باب العامود الأخيرة شكلت جولة من الجولات التي تنتظر المقدسيين في المدينة المحتلة.

وتضيف القواسمي أن هناك علاقة خاصة بين المقدسيين ومدينتهم، وباب العامود تعززت مكانته في نفوسهم في السنوات الأخيرة، ومنذ عام 2011 وحتى اليوم، شهد باب العامود الكثير من المظاهرات الوطنية التي خرجت في مختلف المناسبات السياسية، كما وتصدى فيه الشبان المقدسيون لاقتحامات المستوطنين واعتداءاتهم.

وتقول القواسمي إنه خلال عام 2015 تحول باب العامود إلى ساحة مواجهة مع الاحتلال الإسرائيلي، فهو بمثابة حيز اجتماعي يمارس فيه المقدسيون فعلهم السياسي ونضالهم، وعلى مدار سنوات تعززت هذه العلاقة، وبنتيجة عكسية ساهمت عمليات القمع في تعزيز العلاقة بين المقدسي وباب العامود.

وترى الصحافية القواسمي أنه وفي مقابل تعزيز هذه العلاقة بين المقدسي والمدينة، يحاول الاحتلال دوما تقديم مخططات جديدة لضرب هذا الوجود وطمس التجمع الفلسطيني في باب العامود، من منطلق أن أي تجمع للفلسطينيين هو تهديد سياسي للاحتلال يساهم في مواجهة سياسته بتفكيك المدينة وهدم نسيجها الاجتماعي.

وتوضح أن "ما شهدناه منذ 2015، من تكثيف لإجراءات الاحتلال وزيادة الاعتداءات بحق المقدسيين وإضافة الكاميرات والحواجز، وإجراء فعاليات بتشجيع من شرطة الاحتلال وأذرعه المختلفة، وكأن الاحتلال يريد أن يقول إن ما يجري في باب العامود (الفعاليات) يجب أن يحدث بموافقة منه، وما يحدث خارج هذا الإطار سيتم قمعه".

وتجري القواسمي مقارنة بين هبة باب الأسباط وباب العامود، قائلة إن هناك الكثير من الشخصيات التي ظهرت في باب العامود، وشاركت بالهتاف، حاولت أن تسحب هذا الإنجاز من أيدي المقدسيين، ومن المهم التأكيد أن هذا الانتصار هو من صنع الشبان المقدسيين الذين قادوا الهبة، ومن المهم الانتباه لكل من حاول التسلق على الحدث لمصالح حزبية أو توجيه الحراك إلى أفق لا يرغبه الناس، ومن المثير للأمل أن الشباب واعون، وطردوا بعض هذه الشخصيات وأسكتوها عندما تحدثت أمام الجموع وهو ما يدل على نوع من الوعي.

بدوره اعتبر رئيس الهيئة المقدسية لمقاومة التهويد ناصر الهدمي أن أهمية الحدث ليست في حجمه بقدر ما هي بكونه ضمن نسق معين يتم فيه ممارسة السيادة من قبل المقدسيين في وجه ممارسات الاحتلال، وبالدرجة الثانية فإن ما جرى هو بمثابة تعبير عن طبيعة المجتمع المقدسي المتميز الذي لم يمارس ضده وعليه سياسة أوسلو التدجينية التي استطاعت أن تخفف من ثورة أهل الضفة الغربية.

وتابع الهدمي حديثه مشيرا إلى أن الأهمية الثالثة لما جرى هي تسامي المقدسيين بما لديهم من ثورية على خلافاتهم السياسية والفكرية والدينية، فوقفوا في وجه الاحتلال كرجل واحد. داعيا إلى استثمار الحدث والبناء عليه.

وقال إن غياب القيادة عن أي مجتمع هو أمر سلبي وغير طبيعي ويتم ملء هذا الفراغ طبيعيا، وما جرى في مدينة القدس أنها تركت بدون قيادة ونشأ فيها جيل من الشباب المتمرد الذي نظر إلى القيادة الكلاسيكية التقليدية أنها خذلته لأنها انسحبت وتركت الساحة فارغة، وأنه تفوق عليها متقنا وسائل القتال الحديثة الإلكترونية.

ويعتقد الهدمي أن هذا الغياب للقيادة الكلاسيكية أعطى نتائج إيجابية ولكن هذا يجب أن لا يستمر، لأننا نحتاج إلى قيادة تبني على هذا الانتصار وترسم له خطة استراتيجية مستقبلية، وهناك في 28 رمضان يجب وضع خطة لإبقاء الحالة الثورية التي نعيش فيها لكي تتجمع الجماهير في رمضان وسط مخاوف اقتحام الأقصى من قبل المستوطنين.

وأوضح أن القيادة التي ظهرت في خضم المواجهة الأخيرة، قيادة أفقية شابة، يمكن توجيهها من أجل رعايتها وليس تجييرها وسحبها باتجاه مكاسب حزبية، لأن أفضل ما قدم للقدس هو أن الحسابات الحزبية خارج الموضوع والكل يعمل لصالح مدينة القدس بعيدا عن المصالح الحزبية.

ولفت الهدمي إلى أن المصالح الاقتصادية للمقدسيين تضررت خلال المواجهة الأخيرة، وهنا يأتي دور الفلسطينيين بالتكاتف للحفاظ على اقتصاد وموارد المدينة، ومد يد العون للتجار.

من جانبه شدد الباحث المقدسي خالد عودة الله على أن لمدينة القدس خصوصية ناتجة عن تحلل هذا الحيز من سياسات التدجين التي تمارس على غيرها من المناطق الفلسطينية، والمقدسيون لديهم ارتباط شديد في المكان، وجزء كبير من الهوية المقدسية لها علاقة بالمكان بصفته "مكان مقدس" وفيه الهوية التاريخية التي شكلت نظرة المقدسيين لذاتهم كحماة للقدس، وهو ما يحفز لديهم الدفاع وصد الهجمات التي لها علاقة بالسيطرة على المكان.

وتابع عودة الله أن هناك بعدا آخر لما جرى يتمثل في محاولة الاحتلال تحديد أين ومتى نجلس في مدينتنا وهو ما يمس الحياة الاجتماعية والسياسية في القدس، وبالتالي كمية التغول الصهيوني هو ما دفع إلى ردة الفعل العنيفة هذه، مع التشديد على أن الفعل بدأ من فئة محددة نظرت بخطورة إلى إجراءات الاحتلال الذي حاول فرض أمر واقع في المدينة. 

ويعتقد الباحث المقدسي عودة الله أنه لا يمكن إرجاع أي ظاهرة اجتماعية إلى عامل واحد، وبالنسبة لموضوع غياب القيادة، على إشكالية المسألة، إلا أنه سمح للشبان المقدسيين بأن يكون سقفهم أعلى بكثير من سقف القيادات. 

وقال إن هناك نوعا من توجيه الفعل والحشد بوجود نفس قيادي دون أن يكون بالشكل المتعارف عليه،  والإشكالية التي يجب التنبه لها ماذا يمكن أن يحدث لاحقا، حيث يحاول البعض التعامل مع ما جرى كوسيلة لزيادة رصيد بعض التيارات، بحيث لا يتم النظر للحراك كفرصة لاستنهاض المجتمع المقدسي بكل مكوناته، وفي الهبة الأخيرة، كانت هناك محاولات لتحويل الهبة لمطلب انتخابي.

وأشار عودة الله إلى أن القيادة الموجودة تصبح عاملا يحد من تطور هذه الحراكات، والانتصارات المتتالية خلال السنوات الماضية، هي انتصارات في مواجهة حدث يبادر له الاحتلال، وما يحدث من مواجهة هي ردة فعل طبيعية إلى حد ما، ولكن في مستوى آخر هناك هزيمة كاملة في مواجهة نفس الاحتلال الطويل، الذي لا علاقة له بأحداث موسمية وإنما بالبيئة ونمط الحياة الذي يخلقه الاحتلال على الأرض بشكل يومي عبر التخطيط والاختراق للمؤسسات وأسرلة التعليم، وكلها نحن عاجزون أمامها.

وحذر من أنه مقابل الانتصارات هناك هزيمة، ولا يجب أن تنسينا الانتصارات رؤية هذا البعد، وعلى المدى البعيد هذا ما سيحسم مستقبل المدينة، وما يحدث من أعمال مقاومة تؤكد للجميع أن هناك استعدادا للتضحية موجود في المجتمع المقدسي ولكنه وحده لا يكفي، نحن بحاجة إلى عمل طويل الأمد، ونحن بحاجة للتفكير خارج هذا الإطار، لكي يتحول هذا الشعار لممارسة يومية.

ويوضح أنه لا يوجد مجتمع ضعيف اقتصاديا واجتماعيا يمكن أن يكون قويا سياسيا، في النهاية القوة السياسية تنبع من القدرة على الصمود والاكتفاء الذاتي وتحمل حالة الطوارئ الحاصلة بسبب الاشتباكات، والبعد الاقتصادي في القدس مسألة رئيسية وليست ثانوية.

وأشارت القواسمي في حديثها، إلى أن مدينة القدس المحتلة تعيش واحدا من أشرس أنواع العدوان الذي يمتد إلى كافة قطاعات الحياة، ويحاول الاحتلال جعل المقدسي غير قادر على التواجد في هذه المدينة دون ارتباط بمؤسساته، في محاولة لفرض السيطرة والهيمنة على كل القطاعات التي تمس حياة الناس.

ويرى ناصر رئيس الهيئة المقدسية لمقاومة التهويد، أن جزءا من الهجمة على مدينة القدس المحتلة على مؤسسات مدينة القدس، التي تم استهدافها من خلال تجفيف منابعها واعتقال موظفيها، لكي يصبح المقدسي غير قادر على العيش في المدينة دون ارتباط بالاحتلال ومؤسساته، وهناك جريمة ارتكبت في اتفاقية أوسلو بأن تكون القدس خالية من أي عمل رسمي يمثل المقدسيين. 

وأوضح، أن المستوطنين ذراع من ذرائع سلطات الاحتلال يتم توجيههم بناء على سياسات الاحتلال واحتياجاته، وهم يقومون بتنفيذ هذه السياسات، وهناك مخاوف حقيقية في الثامن والعشرين من رمضان، من إمكانية تهيئة الظروف إرضاء للمستوطنين، بعد خسارة جولة في باب العامود، ونتوقع تصعيدا بالخصوص.

 

وحول كيفية عمل المستوطنين، قال عودة الله، إن هناك شقين لفهم الدور الوظيفي للمستوطنين في الفعل الاستعماري، الأول أن كثيرا من ميليشيات المستوطنين هي امتداد لأحزاب وقوى سياسية احتلالية تشكل حكومة الاحتلال، والثاني، يتمثل بالوضع الدولي، فالاحتلال غير قادر على المناورة كالسابق، بحيث يرتكب الجرائم اليومية بكل وقاحة، وهناك اتجاه ليبرالي يحاول تحسين صورة الاحتلال.

وأوضح، أن المستوطنين، أناس كل فعل يقومون به تبعاته مدروسة، وهذه هي حقيقة "إسرائيل" العارية التي تسوق نفسها على أنها دولة المستوطنين بجميع انتماءاتهم.

ويرى أن قرار إزالة الحواجز الاحتلالية من باب الأسباط، فيه رسالة واضحة بأن الفوضى والاضطرابات يمكن أن تحقق مطالب، وهو ما يؤدي إلى ردع قوى الشرطة وحرس الحدود ويخلق مفهوما تتمسك به "إسرائيل" في ما يتعلق بالسيادة، والاحتلال كان يدرك أنه يمكن أن يتورط في مواجهة طويلة الأمد يمكن أن تنزلق وتمتد.

#القدس #تعليم #اقتصاد #احتلال #أسرلة #اوسلو