شبكة قدس الإخبارية

الأهمّ في زيارة نتنياهو للسعودية

نتنياهو-وبن-سليمان
ساري عرابي

زيارة نتنياهو المرجّحة للسعودية، بالرغم من النفي السعودي، ليست أخطر ما في مواقف المملكة الأخيرة تجاه القضية الفلسطينية.

ثمة سجل حافل في التحوّل عن القضية الفلسطينية لصالح العلاقة مع "إسرائيل"، من السماح للطيران الإسرائيلي بعبور أجواء السعودية، بالتزامن مع التطبيع الإماراتي، وشراء التقنيات التجسسية من شركات إسرائيلية، والسماح لمواطنين سعوديين، بعضهم يحمل صفة شبه رسمية، بلقاء إسرائيليين أو زيارة الكيان الصهيوني، ولقاء مستويات أمنية وسياسية، في الوقت نفسه الذي لا يجرؤ فيه مواطن سعودي على إبداء رأي مخالف للتوجه الرسميّ في حصار قطر، أو التصعيد مع تركيا، وقبل ذلك وبعده، ما قيل عن الضغوط الرسمية التي مارستها السعودية على قيادة السلطة للقبول يصفقة ترامب، ومشاركتها (السعودية) في ورشة البحرين الاقتصادية، التي عُدّت المقدمة الاقتصادية لخطة ترامب لتصفية القضية الفلسطينية. بل إنّ التحليلات التي ربطت مدينة نيوم وقضية جزيرتي تيران وصنافير بالعلاقة مع العدوّ الإسرائيلي؛ لم تذهب بعيدا.

أخطر ما فعلته السعودية على الإطلاق في هذا الملف، هو تنظيمها دعاية إعلامية مكثّفة، حمّلتها بالدرجة الأولى لما بات يُعرف بالذباب الإلكتروني

بيد أنّه وعلى ما في ذلك السجل كلّه، فإن أخطر ما فعلته السعودية على الإطلاق في هذا الملف، هو تنظيمها دعاية إعلامية مكثّفة، حمّلتها بالدرجة الأولى لما بات يُعرف بالذباب الإلكتروني، الذي أخذ فجأة في منتصف العام 2017، يُصعّد من حملات لا يظهر لها سياق واضح، تدعو بحدّة بالغة للتطبيع مع "إسرائيل"، بالاستناد إلى دعاية سوداء تجاه الفلسطينيين، ترميهم ببيع أرضهم للاحتلال، ونكران جميل من وقف معهم من الدول العربية، وتخريب البلاد العربية، في حالة من إثارة الكراهية، واصطناع العنصرية، ضدّ الفلسطيني، الذي يجري تنميطه لصالح أنسنة الإسرائيلي، للقول في النتيجة: "في حين أنه لا يمكن الوثوق بالفلسطيني، ولا التعايش معه، فإنّه يمكن الوثوق بالإسرائيلي، لأنه إنسان كما بقية البشر"، وأخيراً فإنّ الإعلام السعودي، تولّى مهمة الدفاع المحموم عن التطبيع الإماراتي، وكأنّ التطبيع سعوديّ، وكأنّ التطبيع الإماراتي لا يتجاوز المبادرة العربية للسلام، والتي هي في أصلها مبادرة سعودية، بما يلغي وجودها أصلاً

وصلت دعاية الذباب الإلكتروني حدوداً غير متصوّرة من قبل في تبني السردية الصهيونية، ونفي الحق العربي الإسلامي الفلسطيني عن فلسطين

وصلت دعاية الذباب الإلكتروني حدوداً غير متصوّرة من قبل في تبني السردية الصهيونية، ونفي الحق العربي الإسلامي الفلسطيني عن فلسطين، وعمدت الجهات الدافعة لهذه الدعاية إلى تصعيدها بواسطة شخصيات معروفة، في الفضاءات الإلكترونية، وفي الإعلام المرئي والمكتوب المموّل سعوديّاً، والذي يعمل بعضه داخل السعودية، لمنح دعاية الذباب ضدّ الفلسطينيين المزيد من القيمة المعنوية، فتحوّلت الدعاية السوداء من المعرّفات المستعارة لأسماء الذباب إلى أسماء حقيقية، لها هويّة معروفة.

يُلاحظ أمران في تلك الدعاية التي لم تتوقف طوال أكثر من ثلاث سنوات ونصف، الأول أنها جاءت بالتزامن مع قمة ترامب في الرياض، والتي جعلت من توصياتها تأسيس تحالف شرق أوسطي، مما لا يمكن أن يفهم منه إلا دمج "إسرائيل" في هذا التحالف، وبالتزامن مع تصريحات لنتنياهو قال فيها بالحرف: "أكبر عقبة أمام توسيع دائرة السلام ليست زعماء الدول التي تحيط بنا، بل هي الرأي العام في الشارع العربي الذي تعرض على مدار سنوات طويلة لدعاية عرضت إسرائيل بشكل خاطئ ومنحاز". وقد استخدم نتنياهو عبارات قريبة من ذلك أخيراً، في حديثه عن "توسيع دائرة السلام" بعد زيارته الأخيرة للسعودية.

وأمّا الأمر الثاني الملاحظ، فهو أنّ تلك الدعاية التي بدت تماماً وكأنّها تستجيب لرؤية نتنياهو، لإعادة صياغة الرأي العام العربي للقبول بـ"إسرائيل"، لم تربط نشاطها وخطابها بالحاجة للتحالف المصلحي مع عدوّ سيئ لمواجهة إيران، التي تعدّها العدوّ الأساس، وإنما الترويج للتطبيع بدا في حدّ ذاته فعلاً تأسيسيّاً منفصلاً عن الصراع مع إيران، بلغ في التأسيس له درجة تبنّي الدعاية الصهيونية، بل والمزايدة عليها أحياناً في إنكار حق الفلسطينيين، مما يجعل الأمر أعمق وأبعد من التحالف مع "إسرائيل" لمواجهة إيران.

بالتأكيد، تمثّل إيران عاملاً مركزيّاً في السياسات الإستراتيجية للسعودية، ولكن، ومن مجموع ما سبق من ملاحظات، فإنّ العلاقة بـ"إسرائيل" تأتي مؤسسة على عوامل أخرى، بالإضافة للعامل الإيراني، منها العامل الإماراتي الذي مثّل المفتاح للعهد الحالي في تحالفاته الإقليمية والدولية، وحاجة العهد الحالي، في الصراع على ولاية العهد، لداعمين إقليميين ودوليين ونافذين في واشنطن.

تمثّل إيران عاملاً مركزيّاً في السياسات الإستراتيجية للسعودية، ولكن، ومن مجموع ما سبق من ملاحظات، فإنّ العلاقة بـ"إسرائيل" تأتي مؤسسة على عوامل أخرى، بالإضافة للعامل الإيراني

وإذا كان التحالف قد نُسِج من خيوط كهذه، فقد وَلَّد اتفاقاً على كيفية إعادة صياغة المنطقة، بما يخدم عناصر التحالف، ولكن وفق رؤية "إسرائيل"، وهو ما كان يقتضي تصفية القضية الفلسطينية، وملاحقة الحركات الإسلامية، بما يستدعيه ذلك من إعادة تأويل لقضايا دينية، والتصدي المشترك للنفوذين التركي والإيراني، والإجهاز على الفاعلية الجماهيرية العربية التي تعاظمت في سياق الثورات العربية.

في التحليل السياسي، يمكن أن نحصر أهداف زيارة نتنياهو للسعودية في سياق ترتيب مواجهة إيران، وإدارة العلاقات التطبيعية في ما تبقّى من وقت لإدارة ترامب. ويمكن القول إنه لقاء الخاسرين من خروج ترامب للاتفاق على المرحلة القادمة، وهذا كلّه على أهميته الآنية، يأتي في سياق أكبر، وهو وجود تحالف تأسيسي لا بدّ وأنه قد جمع من قبل لقاءات كهذه، بين الأشخاص أنفسهم، وبين مستويات أخرى.

#نتنياهو