شبكة قدس الإخبارية

لحظات بـ "طعم العلقم" تعيشها العائلة

الثلاثي "اعمر".. "حكم المؤبد" لم يعدم أمل عودة "أعمدة البيت"

file_2020-11-01_152207
يحيى موسى

قلقيلية- خاص قُدس الإخبارية: يلتفت وسيم اعمر، خلال جلسة محاكمة والده عبد السلام؛ بعد عامين من وجوده بالتحقيق لم يحظ فيها بأي زيارة تكحل "شوقه" وتبرد قلبه، يبحث عن صورته التي لم تطابق الوجوه التي مرت عليه خلال نظرة عامة "جالت ودارت" في أرجاء المحكمة.

قبل أن يدقق في ملامح ذلك الشخص المقيد، ذو الشعر الطويل غير المهذب، خائر القوى، آثار التعذيب الشديدة تظهر على وقفته، يسنده سجانان كل من يدٍ، ينظر الابن بكامل اتساع عينيه محاولاً التأكد أنه والده، ويتمنى أن لو "ابتلعته الأرض" قبل ذلك، هنا؛ هوت منه دمعة رافقت الدموع التي سقطت من عيني والدته أيضًا، ولم يملكا سوى الدموع، قبل أن تكبر الصدمة على وقع النطق بالسجن "المؤبد".

قبل أيام دخل الأسيران الشقيقان عبد السلام (51 عاماً)، ونضال اعمر (49 عاماً) من قلقيلية عامهما الثامن في سجون الاحتلال، وهما محكومان بالسّجن المؤبد و(20) عاماً، علمًا أن الأسير عبد السلام هو أب لعشرة أبناء والأسير نضال هو أب لـ8 أبناء، ولهما شقيق أيضا داخل الأسر وهو الأسير نور الدين اعمر (38 عاماً) المعتقل منذ عام 2003 والمحكوم بالسّجن 55 عاماً.

يفتح وسيم أعمر ابن الأسير عبد السلام قلبه لـ "قدس الإخبارية" قائلا: "افتقدنا أبي عبد السلام، وأعمامي نضال ونور الدين، والأخير أمضى زهرة شبابه معتقلًا في سجون الاحتلال، تحديدًا في سجن نفحة الصحراوي وقد دخل عامه الثامن عشر".

تعرض أبي عبد السلام، لأعنف وأبشع وأسوأ وسائل التعذيب، إجرامٌ خلال التحقيق من أجل انتزاع اعتراف، أمضى عامين في التحقيق وتحت الضرب والشبح والتقييد على كرسي الكهرباء وتعذيبه بالكهرباء حتى خروج الدم من أذنيه وأنفه وعيونه".. بهذا يدخل وسيم إلى تفاصيل معاناة والده داخل السجن.

"أتدري؟ الاحتلال يدخل وجبة واحدة كل يوم لأبي، فعاش ظروفا صعبة وسيئة جداً لم يرحموه خلال هذين العامين في فترة التحقيق وبعد ذلك تم الحكم عليه".

لم تفارق جلسة المحاكمة ذاكرته التي تطير به لذلك اليوم: "عند حضور أول محكمة لوالدي لشدة هول المنظر لم أعرف أن هذا والدي الذي يقف أمامي من شدة علامات التعذيب والضرب وشعره الكبير حتى انهارت أمي بالدموع والبكاء على والدي ولكنه كان واقفًا كالأسد الشامخ، نتعلم منه الصبر والقوة".

مشاعر عدّة كانت تعتمل وسيم في تلك اللحظة لكن ما باليد حيلة: "تمنيت لو ابتلعتني الأرض، ولا أراه بهذه الحالة، حرمنا الاحتلال أبًا لا يعوّض بكنوز الدنيا، كان الأب والأخ والصديق للجميع".

زيارة يتيمة

حينما اعتقل الأسير عبد السلام، كان عمر نجله وسيم 12 عامًا، والآن أصبح عشرين عامًا، خلال ثمان سنوات لم ير والده إلا مرة واحدة، بسبب الاحتلال والتضييق عليه، "لا أنسى والدتي التي حملت المسؤولية فكانت الأب والأم بنفس الوقت، عملت من أجل ألا نحتاج أحدًا حتى كبرنا بغياب والدي وأصبحنا شبانًا".

يختفي صوته خلف الحسرة: "حينما أرى ابنا مع والده، يمزحون، يضحكون، وأنا المحروم من أبي ومشتاق إليه، أحزن كثيرًا، فلا طعم للحياة بدونه، مضيفًا: "علّمنا أبي الرجولة ونحن أطفال، الاعتماد على النفس في غيابه، أتذكره وقت الإفطار فتتوه أفكارنا، اختفى مرة واحدة (..) كان عماد البيت ومن بعده قد سقطت الأعمدة".

حملت زوجة عبد السلام مسؤولية إضافية، وأعباءً كبيرة، في غياب زوجها الأسير زوّجت ثلاث من بناتها، يمتزج صوت وسيم بالمرارة بعفوية: "أبي اليوم جد لعشرة أحفاد حتى أولاد اخواتي يسألون دائمًا: وين سيدو؟".

"ترك أبي ذكريات كثيرة، لا زلنا متمسكين فيها لآخر عمرنا، أتعبنا غيابه الطويل، ولا زالت دموعنا تسيل عليه، تفتقده لمات العائلة وأجواء العيد، كان يصنع بهجة يلتم الجميع حوله، يرسم البسمة على وجوههم، لكن تمرّ الأعياد اليوم بلا طعم أو رائحة". يقول وسيم.

ينبش في تفاصيل الذكريات، هنا ضحك صوته ماسحًا مرارة الموقف السابق: "ذكريات رائعة لأبي معنا، لما كانت السيارة "البيجو" عندنا وقص بابها فكان لها هيبة في البلد؛ ولما كان عندنا الأغنام كنت توقظ الحارة، وهو عائد للبيت وبيده أغراض من كل ما لذ وطاب، ويوقظنا من نومنا لنأكل، اشتقت لمحاضراته يوم الجمعة والتي تعلمنا فيه الصلاة وعمل الخير والمعروف وحب الناس".

واستذكر موقفا بطوليا من حياة والده: "قبل فترة من اعتقاله، تعرض لإطلاق نار من قبل جنود الاحتلال، مما أدى إلى إصابته بجانب عينه اليسرى دفاعاً عن الوطن وأبنائه، وما زال يعاني لليوم من وجع شديد وقوي في عينه، فيما تماطل إدارة السجن في إدخال نظارة لعينيه".

نضال.. رصاصة قرب القلب وحرمان

لكلّ واحد من الأشقاء الأسرى معاناة مع الاحتلال، كان لنضال نصيب منها، قال وسيم: "عمي نضال أب لثمانية أفراد وهو كريم وطيب ويحبه الجميع، تعرض أثناء فترة التحقيق إلى التعذيب الشديد الذي لم يرحمه السجان، وتسبب بكسر في يديه أثناء التحقيق معه وكان يعاني ظروفا صعبة، ولكنه كان يؤمن بأن الحرية آتية لا محالة.

الاعتقال سبقه إصابة أيضًا، حيث أصيب نضال برصاص جنود الاحتلال على حجاز عزون عتمة أعلى من القلب بـ 3سم، فسجن وحُكم وحرم من الزيارات ورؤية أولاده الذين يفتقدونه كل يوم".

ألوان التعذيب

تعرّض "نور الدين" شقيقهم الثالث، خلال فترة التحقيق إلى الضرب المبرح، واستخدام كل وسائل التعذيب عليه من تعذيب جسدي ونفسي وقهر وإذلال و"كان يرى الموت كل يوم بعينه ولكنه ما زال صابرا وصامدا ويثابر على نفسه بأنه أقوى منهم وهم لا وجود لهم، رغم كل الظروف التي مر بها". والكلام لوسيم.

وأضاف: "نور هو الحنون وأبو القلب الطيب والصديق للجميع وما زال يضحي من أجل الجميع وله عدة مواقف فكاهية كونه آخر العنقود". ينتقي إحداها بلهجة عامية: "لما كانت ستي تطبخ عدس، ويرجع من الشغل على المطبخ يلاقيه عدس كان يسفق غطاء الطنجرة ويزعل، كانت ستي تحبه لأنه كان يساعدها بكل شي".

وتطالب العائلة الجهات الدولية بتوفير حياة كريمة لنور الدين داخل السجن، "على الأقل تعود زيارة أهله له" هذه أمنية ابن شقيقه.