شبكة قدس الإخبارية

يوم العمال العالمي في زمن الكورونا

570f086ba479c43321be89197480eb18
د. إيناس عبدالرحمن العيسى

 إن العمل عصب الحياة، وأساس الرقي والتطور الحضاري، وقيل الرجل بصراحته في القول، وإخلاصه في العمل، وقد أثبتت أزمة كورونا الدور المحوري لأولئك المخلصين في عملهم، للأيدي العاملة، وأساس الاقتصاد ولبنته الأولى، فالحكومات تطالب العمال بالعودة لأعمالهم، لتسيير عجلة الاقتصاد، ومن أجلهم سينتظم المعلمون في مدارسهم، ليتمكن العامل والحرفيّ والمزارع من مباشرة عمله. فهؤلاء هم الثروات الحقيقية، ولعلهم الأكثر تضرراً من تبعات الأزمة، فالعامل الذي لا يكدّ في يومه لن يجد قوته، وهو أمام خيار الموت بفيروس كورونا أو الموت جوعاً،  فمن يدافع عن العمال؟ ومن يعطيهم حقهم؟؟ وما أصل يوم العمال ؟؟

يأتي يوم العمال من كل عام ليقف فيه ملايين العمال حول العالم، لمراجعة أوضاعهم وظروفهم، ورفع أصواتهم وتجديد المطالبة بحقوقهم، بالإضافة لتكريم المجتهدين منهم وتقديرهم، لأن مقياس الإنسان هو المفاضلة في العمل، وهو اليوم الذي يعتبر رمزاً لنضال الطبقة العاملة لنيل حقوقها، ويعرفه البعض باسم May Day، علماً بأن بعض الدول تحتفل به في شهر أيلول، وتعتبره موسماً للنزهات والرياضات المائية والألعاب النارية، فما هي قصة هذا العيد؟ وأين بدأت؟

هناك العديد من المعتقدات الخاطئة حول عيد العمال، سواء في تاريخه، أو أصله، وهل هو فعلاً احتفال شيوعي اشتراكي الأصل كما ينسب إليه؟ 

بدأت قصة عيد العمال في العام 1856 في أستراليا، بمطالبة العمال بتحديد ساعات عملهم بـ8 ساعات فقط،  ثم عبرت الفكرة المحيط الهادئ إلى الولايات المتحدة الأمريكية، التي كانت تمر بسنوات طويلة من الكساد أعقبت الحرب الأهلية، وما تخللها من صراعات متكررة امتدت من (1882-1886)  بين أرباب العمل والعمال المسحوقين، الذين كانوا يعملون لساعات طويلة وصلت إلى عشر ساعات على مدار 6 أيام أسبوعياً، ومحاربة كل من يحاول التحريض على الإضراب وقمعه بشتى الوسائل المتاحة.

احتفل العمال بنضالهم لنيل حقوقهم، في الإثنين الأول من أيلول 1882 في مدينة نيويورك، وأتبع ذلك سنوات من العمل النضاليّ في ولاية شيكاغو، واجتماع النقابات العمالية لتحسين ظروف عملهم وساعات العمل لتصبح 8 ساعات فقط، ثم تبعها في ذلك عدد من الولايات الاخرى.

 نشطت النقابات العمالية، وحددت الأول من أيار 1886 للبدء بالعمل 8 ساعات فقط، ولدعم القرار نظموا مسيرات وإضرابات لما يزيد عن 3000-5000 عامل، والتي تعتبر أكبر عدد من الإضرابات العمالية في يوم واحد في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية، وكان أشهرها إضراب العمال في ميدان هايماركت في شيكاغو. 

وإذا كان العمل يزودنا بمناعة مضادة للألم، فقد تحول الإضراب لمواجهات مع الحكومة، حدث خلالها انفجار لقنبلة يدوية وسط الحشود، ما أودى بحياة عدد من العمال، واعتقال بعضهم، والحكم بالإعدام على عدد آخر، ومع انتشار فكرة النقابات العمالية، انتشرت فكرة الاحتفال بعيد العمال.

ووصلت قصة "هايماركت" عبر المحيط الأطلسي إلى فرنسا، والتي أصبحت أصل الاحتفال بعيد العمال، وتم إحياء الذكرى في العام 1889 بتوجيه دعوات من المؤتمر الأول للنواب الاشتراكيين الدولي، وفي العام 1904 دعا مؤتمر الاشتراكية الدولية (الثاني) في أمستردام، نقابات العمال حول العالم للتوقف عن العمل في الأول من أيار من كل عام لتصبح الإجازة الرسمية في عدد كبير من الدول.

وبعكس الاعتقاد السائد بأن العالم كله يحتفل بعيد العمال في الأول من أيار، إلا أن الولايات المتحدة وكندا تحتفل بتقاليد هذا اليوم وتكرم العمال يوم الإثنين الأول من شهر أيلول من كل عام، بينما تحتفل أستراليا في أكتوبر، أو الاعتقاد بأنه فكرة شيوعية، لأنه كما تبين أمريكي الأصل، وتم تبنيه من قبل الأحزاب الشيوعية، واعتقد الاتحاد السوفييتي آنذاك، بأنه اليوم الذي سيدفع العمال في أوروبا وأمريكا للتحول من الرأسمالية إلى الاشتركية، إلا أن انهيار الاتحاد السوفييتي والحكومات الشيوعية في أوروبا الشرقية أضعف عيد العمال.

ولعل نيوزيلندا أول الدول التي حصل فيها العمال على حقوقهم المتعلقة بساعات العمل، وليست أمريكا كما يعتقد البعض، وفي وقت لاحق من العام 1955 باركت الكنيسة الكاثوليكية عيد العمال، واعتبرت يوسف النجار شفيعاً للعمال.

 ولكن يبدو أن العمال بحاجة لمن يشفع لهم في الأرض قبل السماء، وإذا كان المستقبل صنيعة العمل لا العزلة، والعقل لا السحر والشعوذة، والنصيحة كانت دائماً بعدم تشغيل من يعمل من أجل المال، وإنما من يعمل لحبه للعمل، فإننا نجد عشرات الآلاف من العمال الفلسطينيين الذين دفعتهم ظروفهم المادية الصعبة للمجازفة بأرواحهم، والمبيت في ورش العمل في “إسرائيل” رغم ارتفاع نسب المصابين بفيروس كورونا. فمن يرفع صوته في وجه الفقر والضائقة المادية التي يعاني منها العامل؟؟ أوليس  لزاماً على النقابات والنقابيين التحرك عشية عيد العمال بإنصاف العاملين وذويهم، خاصة من فقدوا أولادهم وأزواجهم في حوادث العمل، الناجمة عن نقص وسائل الصحة وقواعد السلامة المهنية وإهمال أرباب العمل، والمهن الشاقة، والاغتراب القسري لتأمين لقمة العيش، وماذا عن العمال الذين قام أصحاب العمل بطردهم واعتبروهم فيروس، لمجرد الاشتباه بإصابتهم بالفيروس.

وحتى يكون المثل صحيحاً " كلما عملت أكثر تعيش أكثر" لا بد أن توضع قضية العمال وسلامتهم وصحتهم وأجورهم وأمنهم على منصات المسؤولية، ففي كل عام عشرات العمّال الفلسطينيين يلاقون حتفهم ناهيك عن 600-900 إصابة في كل عام نتيجة لشروط السّلامة المعيبة، خاصة في فروع البناء التي يصل عدد ضحاياها إلى ما نسبته 80% من مجموع ضحايا القطاع العماليّ، حيث بلغت الإصابات في العام 2019 إلى قرابة 880 إصابة،  ناهيك عن استغلال السماسرة والمقاولين لأجورهم، وعدم الدفع لهم بدل الغياب الناتجة عن الإصابة وساعات العمل الطويلة والضغوط النفسية، ونقص مفتشي العمل المختصين، والعمال الذين أصبحوا ضحايا لسوق العمالة السوداء الآخذة في الازدياد، وتشغيل العمّال بمعايير تنحدر لدرك الاستعباد والسخرة.