شبكة قدس الإخبارية

ياسمينة في الجنة المدمرة

تصميم موقع
مريم شواهنة

القدس المحتلة – قدس الإخبارية: على طريق يافا / القدس، وعلى بعد بضع كيلو مترات إلى الغرب من بيت المقدس.. يخيل إليك حين تمر بها أنها لم تكن هنا، فالأشجار التي غطت كل شيء، محت قطعة من الجنة.. محت "سطاف" وجعلت التاريخ بها أثراً بعد عين ، قرية فلسطينية طمست بعد نكسة عام 67.. لا يعرفها الكثيرون ولا يوجد عنها أي كتاب ذكرى ، المعروف عن سطاف وتاريخها بضع أسطر لا تملؤ صفحة من كتاب، فلا دراسات ولا أبحاث ولا كتب، قريةٌ تركت ونُسيت وطويت صفحاتها بل لم يكن عنها أي صفحات تذكر.

عاد ذكر هذه القرية منذ أربعة أشهر، في سطور ياسمينا خير سلمان، 21 عاماً، من مدينة طولكرم، وهي طالبة هندسة معمارية في جامعة النجاح، حازت على المرتبة الأولى في مسابقة إعمار القرى المدمرة على مستوى الطلبة الفلسطينيين في جامعات العالم، الطالبة سلمان، اختارت قرية "سطاف" من بين قائمة طويلة لتبدأ بدراستها وإعداد مشروع إحياء كامل لها، وتقول ياسمينا لقدس الإخبارية "اخترت قرية سطاف لأنها كانت القرية، ضمن قائمة طويلة لأسماء مقترحة لقرى مدمرة، الوحيدة التي لم تُجرَ عنها أية دراسات، ولا يوجد عنها إلا بضع سطور تقتصر معلوماتها على عدد السكان قبل النكسة والمساحة الزراعية والمساحة العمرانية، وما دفعني لاختيارها أنها القرية الوحيدة من المقترحة تقع في القدس ولأنني أيضاً وجدت نفسي أمام مسؤولية إحياء تاريخ وذكر هذه القرية".

70854345_1115550168650861_3639062993183965184_n

تشرف على المسابقة منظمة جمعية أراضي فلسطين، ومقرها في لندن، وتقود فكرة مسابقة إعادة إحياء القرى المدمرة على إشراك طلاب هندسة العمارة وخريجييها الجدد الفلسطينيين من كل جامعات العالم بتقديم مقترحات وتصاميم حضرية كاملة وجديدة للقرى كعمل لمرحلة ما بعد التحرير لكيفية إحياء وإعمار هذه القرى. وتخبرنا ياسمينا "أن الهدف الأساسي للمسابقة هو التذكير ولفت الانتباه لهذه القرى، فالأجيال التي تعرف الحقيقة وعايشت المأساة تموت، وما يبقى لنا هو المعرفة والتاريخ من ينسى تاريخه يفقده"، وأضافت "دراستنا لهذه القرى هي ليست إعداد للمستقبل فقط، وإنما هي دمج للماضي والحاضر والآتي كدراسة شاملة، فالمسابقات من هذا النوع تحفز الكل على العمل من أجل التحرير، وتشجع على عمل دراسات وأبحاث".

قطعة من الجنة

"سطاف" التي يعني اسمها قطعة من الجنة، قبل نكسة 1967م كان تعداد سكانها 625 نسمة، ومساحتها 3775 دونماً منها 101 بيتاً تشغل مساحة 22 دونماً وسط القرية، فهي قرية زراعية بامتياز، وهدم الاحتلال 99% من القرية بعد هدوء الحرب بسبب تخوفه من عودة النازحين لبيوتهم.

أما عن وضع "سطاف" حالياً فهي منتزه وطني تابع للصندوق القومي اليهودي، "من أساليب سيطرة الاحتلال على الأرض هو التشجير" وتتابع ياسمينا "والتشجير يعني زراعة الأرض بمساحات كبيرة وتحويلها لغابات وطنية".

69817359_520151245461385_1524351186897993728_n

إحياء سطاف

يتناول مشروع "إعمار سطاف" جوانب الحياة كافة، الاجتماعية والاقتصادية والزراعية وكذلك حقوق التعليم وحقوق المرأة عدا عن استيعاب المخطط لسكان القرية بعد عودتهم كما بينت ياسمينا لقدس الإخبارية "دراستي لم تتناول عدد السكان الفعلي قبل الحرب فقط، فعند العودة سيعود كل سكان سطاف ويصل عددهم الحالي في المخيمات والشتات إلى 6000 نسمة"، وعن التحدي الأكبر الذي واجه ياسمينا تخبرنا، "كان التحدي الأكبر أن يعود 6000 نسمة إلى قريتهم، دون تشويه طبيعة القرية الزراعية وطغيان العمران على الطبيعة الزراعية".

نقص المعلومات كان الخوف الأكبر لياسمينا أثناء عملها، فلا يوجد تأريخ وتوثيق لطبيعة الحياة اليومية للسكان أو ملامح القرية، وهذا ما روته لنا " بعد سلسلة من الأشخاص وصلت لطه الفتياني أحد سكان سطاف ويقيم في الأردن، وعائلة الفتياني هي إحدى عائلات سطاف التي هُجرت منها، الفتياني كان مهتماً بالتاريخ، وزودني بمعلومات كثيرة عن القرية"، وتكمل الحديث عن قصتها مع حواري سطاف،" كان الموضوع صعباً جداً، فلم يكن متوفراً أن نقرأ تفاصيل الحياة اليومية لسكان القرية في كتب، ولهذا اعتمدت على جانب موجود في الأبحاث وهو التأريخ الشفوي الذي يعتمد على روايات أشخاص، وما ساعدني أيضاً رسالة ماجستير تتحدث عن جغرافية القرية".

ياسمين في الجنة المدمرة

"كوني من مدينة طولكرم فلا أستطيع دخول القدس إلا بتصريح يستغرق صدوره شهراً" تروي تفاصيل ذهابها إلى سطاف "قدمت لرحلة إلى القدس ولكنها ألغيت، فقدمت لرحلة أخرى وتصريح آخر ما أخّر الرحلة شهرين، انتظرت شهرين لأصل سطاف، خرجت مع رحلة إلى القدس وانفصلت عنهم وذهبت إلى سطاف، وبقي للمسابقة شهر فقط بعد عودتي".

70682247_964590537209850_8919529622085828608_n

بعد عودتها إلى طولكرم، اضطرت ياسمينا إلى إعادة الدراسة مرة أخرى "لما تعيشي التجربة الحسية بالمكان بتختلف نظرتك للأمور كلياً، فممكن يكون التصور النظري غلط وممكن في شغلات أقدر أمثلها بشكل أفضل، وكان يلزمني للدراسة ولعملي صورة جوية واضحة للمكان ويُمنع الفلسطينيون من التقاط الصور الجوية داخل الأراضي المحتلة، استعنت بأحد سكان القدس في الحصول عليها".

دراسة الأرض

كما يخطو المقاومون خطى الثبات في أي مواجهة، كمثلهم تكون دراسة الأرض وحفظ تاريخها على نفس المستوى والأهمية، "فما لا نفهمه لا نملكه"، سألنا ياسمينا ماذا سيحدث لو طبق هذا المشروع على كل القرى المدمرة؟ فأجابت "ستكون النتيجة عبارة عن مشروع متكامل للعودة، في دراستي خططت لعودة 6000 شخص، ضمن دراسة كاملة عن الموضوع، فهي تصميم مصغر لمخطط أعظم، وهو عودة أصحاب الحق لأرضهم، وتحفيزهم للعودة، فتكون عودة مدروسة لبناء الوطن بعد التحرر وفي الحقيقة لو لم تتم مثل هذه المشاريع فإن الطمس مستمر ولا يوجد أي وسيلة لتكذيبه أو دحضه مثل الحجة التاريخية".

وعن شعور ياسمينا بعد فوزها بالمركز الأول في المسابقة، "شعور جداً عظيم عندما كنت أرى سطاف وأوثقها للفتياني الذي لم يزر قريته، كنت أرى دراستي توثيقاً وأملاً لأصحاب هذه القرية، ووصلتني رسائل من أصحاب هذه القرية تشكرني على ما قمت به.. الشعور لا يوصف عندما أحس أني سددت فجوة في التاريخ، وأن اسمي سيبقى عالقاً بقطعة من الجنة".

وثمنت ياسمينا جهود العاملين على المسابقة واعتبرتها طريقة جديدة ومبتكرة للحديث ونقل القضية الفلسطينية وخصوصاً أن النتائج تعلن في لندن، ووجهت نصيحة للطلبة الجامعيين "الطالب الجامعي بإمكانه أن يقدم ويخدم القضية كل في مجاله، وتحديداً مجال الدراسات والبحث فيه نقص وبحاجة إلى جهود جمة".



69864650_1671727302958777_7599828124989128704_n

69812609_392728408289063_3798367835613298688_n
 

#القدس #الاحتلال #سطاف