شبكة قدس الإخبارية

المقاومة تفقع عين الاحتلال في بوبين

69022891_2381235221992576_3485867737438224384_n
شذى حمّاد

وسط عين بوبين الهادئة حيث لم يكن يُسمع سوى صوت النبع الرقيق. دب الانفجار. اهتز المكان. وثارت زوبعة غبار بيضاء ستتلاشى سريعاً، ويبقى أثرها محفوراً إلى الأبد، حاملاً بصمة المقاومة.

صباح الجمعة 23 آب، الساعة العاشرة وبضع دقائق، مركبة بيضاء تقل مستوطنين تصل إلى المكان لقضاء نزهة لن تكتمل. سريعاً تنفجر عبوة ناسفة تُطير المركبة ومن فيها، تقتل مستوطنة وتصيب اثنين آخرين بجراح خطيرة.

عملية مقاومة جديدة تُنفذ قرب مستوطنة "دولف" المقامة على أراضي غرب مدينة رام الله المحتلة. عملية لن تكون مختلفة فقط، بل ستتميز بالنوعية والاستراتيجية لسببين أساسيين، الأول يكمن بأداة العملية، والثاني يكمن باختيار المكان.

العبوة.. المفاجأة الكبيرة

ففور تنفذ العملية ونجاحها بما حصدته من نتائج، ارتبك جيش الاحتلال وتاه باحثاً عن الإجابات: هل أُلقيت على المركبة من قبل مقاومين؟ أم زُرعت في المكان وفُجرت عن بُعد؟

كان محاولات التأكيد على الخيار الأول هو الأسرع والأسهل لجيش الاحتلال. فيومياً يتصدى الفلسطينيون لاقتحام عين ببوين إحدى المناطق الزراعية المهمة التابعة لقرية دير ابزيع غرب رام الله، إلا أن عمليات التصدي اليومية لا تتعدى استخدام الحجارة، دون التقليل من أهمية ذلك.

لتزج النتائج التي تركتها العملية الفدائية على الأرض، جيش الاحتلال في الخيار الثاني المتمثل أن عبوة ناسفة زرعها مقاومون هنا، وفجروها عن بعد، ما سيصعد من ارتباكه أمام استعادة المقاومة أدواتها في الضفة المحتلة وتطويرها.

فرغم أن العبوات المتفجرة إحدى أدوات المقاومة المستخدمة بشكل يومي في الضفة المحتلة، ومؤخراً في تظاهرات السياج الفاصل شرق غزة. إلا أن هذه العملية لم تكشف فقط عن تطوير بالتفجير عن بعد، كما يحاول الاحتلال الترويج له. فلم يغب ذلك عن الفعل المقاوم وخاصة في زراعة العبوات وتفجيرها، وإن اختفى لفترة زمنية، وها نحن نشهد الآن عودة قوية له.

كما كشفت العملية أن نجاح المقاومين بزراعة العبوة، ثم تفجيرها عن بعد – إن كان ذلك دقيقاً - يلي ذلك انسحابهم بسلام من المكان، وعدم تركهم أدلة إضافية تمكن من الوصول إليهم بسهولة، وربما إلى الأبد.

لم تكن العبوة هذه المرة ماسورتين، كما نصف "الكوع" كالعادة محاولين تبسيط فكرته كأداة مقاومة شعبية. بل قنبلة تزن أربعة كيلو غرامات، كما كشف جيش الاحتلال ويحاول تعزيز هذه الرواية، إلا أن ذلك ليس بجديد أيضاً، فقد سبق للمقاومة أن زرعت عبوات بأوزان كبيرة تصل لأربعة كيلوغرامات وأكثر.

وتؤكد العملية بشكل مطلق إحياءها للعبوات الناسفة وتفجيرها عن بعد، أسوة بعمليات عظيمة شهدت تصاعداً مهماً في انتفاضة الأقصى، التي بدورها اقتدت بثوار الستينيات والسبعينيات وزرعهم العبوات الناسفة بعد تسللهم إلى أرض فلسطين المحتلة. إذاً العملية وإن كانت استراتيجية ومهمة، فهي ليست سابقة، بل فعل مستمر، صممت الأداة فيها بروح تسعى لتنفيذ عمل مقاوم نوعي، هدفه قتل العدو، والتأكيد على حرمة المكان الذي لن يصبح الوجود فيه بعد اليوم عادياً، كما لم يكن يوماً.

ورغم ما حققته العملية الفدائية، إلا أن الاحتلال يختلق توقعات حول العملية ويحاول دس سمه لبث الإحباط بين الفلسطينيين. فمرة يحاول تعظيم فكرة تفجيرها عن بعد – وإن ننظر أحيانا بفخر لهذه لمبدأ التفجير عن بعد كتطوير في استخدام الأداة- إلا أنه يجب أن ننظر إليه أيضاً بشقه الآخر الذي يحاول الاحتلال أن يقدم العملية كسابقة، لم ولن تتكرر. إلا أنه وبكل بساطة ربما تكون العبوة، تقليدية، زرعت كما تزرع أي عبوة أخرى.

ومن جهة أخرى، يحاول الاحتلال التأكيد أن العملية كانت تستهدف قوة لجيش الاحتلال، لتقديم تبرير أنها لو انفجرت بالمركبة العسكرية المصفحة لما نتج عنها ما نتج، محاولاً الحديث عن عملية غير مخطط، وعبثية. إلا أن المقاوم الذي نفذ عمليته في هذا المكان يعلم جيداً من سيتواجد اليوم هنا، وفي هذه الساعة، يعلم جيداً أن الفلسطينيين صباح الجمعة لن يكونوا في أراضيهم. كما يعلم جيداً أين ستصيب عبوته المتفجرة، وما الأضرار التي ستلحقها، ومن الهدف الأفضل.

بوبين تحرسها المقاومة

على مساحة 70-80 دونماً تمتد منطقة عين بوبين إحدى أراضي قرية دير ابزيع التي تبعد عنها 800 متراً. يسقيها نبع ماء يصب في بركتين قديمتين يعتمد عليها المزارعون في ري محاصيلهم من جهة، والاستجمام فيها من جهة أخرى.

إلا أن حال المنطقة لن يبقى على ذلك كثيراً، فمنذ تأسس مستوطنة دولف 1983، باتت الاحتلال يطمع فيها ويحاول فرض وجود المستوطنين تمهيداً لضمها للمستوطنة التي تحاذي أراضي عين بوبين.

فتشهد الأراضي اليوم اقتحامات يومية للمستوطنين، اعتداءات على المكان وعلى المزارعين. يقابله تصد ومقاومة من أهالي المنطقة وشبانها. مقاومة ستبلغ أوجها حزيران 2015، عندما عاد محمد أبو شاهين إلى المنطقة لينفذ عملية إطلاق نار فدائية، بعد أن زارها سابقاً كمجرد زائر.

محمد أبو شاهين من مخيم قلنديا شمال القدس المحتلة، تمكن من قتل مستوطن وإصابة آخر بعد إطلاق النار عليهما، والانسحاب بسلام من المكان، ولن تستطع قوات الاحتلال اعتقاله إلا بعد أكثر من شهر، وقد تمكن خلال فترة ملاحقته من تنفذ ست عمليات إطلاق نار فدائية.

عملية محمد أبو شاهين لم تكن الأخيرة، فقد نفذت بعدها عدة عمليات إطلاق نار في المنطقة ومحيطها، ورغم أن الاحتلال لم يعلن عن نتائجها، إلا أن المقاومين بقوا يحرسون عين بوبين. وهي النتيجة الحقيقة التي سعوا لها.

فمن الحجارة، إلى عمليات إطلاق النار، ثم زرع العبوات الناسفة، سيج المقاومون – من أبناء دير ابزيع وخارجها- عين بوبين، وقد تعهدوا حمايتها. فالعمليات الفدائية هنا ليست سابقة، بل إرثاً متناقلاً من مقاوم إلى آخر، وإن كان العدو جاء هنا يوماً لأجل النزهة وكأنه صاحب المكان. فهنا يعلم أبناء الأرض خفاياها، وكيف تكون نزهة العدو الحقيقة فيها!