شبكة قدس الإخبارية

18 عاماً بدون والدها الأسير وأمها المتوفاة .. "جمانة" تتفوق وحيدة

67325776_485963161977972_3076682930383224832_n
يحيى موسى

رفح - خاص قدس الإخبارية: وحدها الدموع ظلت تواسي جمانة أبو جزر ليلة إعلان نتائج الثانوية العامة والحيرة تجتاح مخيلتها كيف ستوصل نتيجتها بالثانوية العامة لوالدها في سجون الاحتلال هناك حيث يعيش الأسرى في عالم "المنسيين" معزولين عن الحياة إلا بما يبقي على قيد الحياة.

ما أن انسلت شمس الخميس وتجاوزت عقارب الساعة التاسعة صباحا، يرن هاتف "جمانة" ردت على المكالمة معتقدة أن المتصل من  أفراد العائلة يريد التهنئة بتفوقها في الثانوية العامة لكن ما أن بدأت بالحديث حتى عمت الفرحة قلبها وصرخت بأعلى صوت فكان المتصل والدها الأسير علاء أبو جزر (41 عاما) المحكوم بالسجن 18 عاما، استطاع الاتصال على ابنته من داخل السجن ، وكان متلهفا لمعرفة نتيجتها فهذه الوسيلة الوحيدة  التي يمكنه من خلالها الاتصال بالعالم الخارجي  إن سنحت الفرصة،  قائلا: "طمنيني .. قديش معدلك"، فأخبرته أنها حصلت على معدل 93%، ففرح كثيرا وبقيت الغصة في قلب ابنته لأنه ليس بجوارها ليشاركها فرحته.

حرية مرتقبة

ستة أشهر متبقية على تحرر الأسير "أبو جزر"، على  أحر من الجمر تنتظر جمانة مرور هذه المدة واستقباله في يناير/ كانون الثاني 2020م  والتي ستنتهي خلالها   محكوميته في سجون الاحتلال الإسرائيلي حرا لتحتفي معه في تفوقها الجامعي.

لم تكن قصة أسر والدها هي معاناتها الوحيدة في هذه الحياة، فتوفيت والدتها وهي رضيعة لم يتجاوز عمرها أربعة أشهر، وأعتقل الاحتلال والدها في نفس العام (2003م)، فبقيت طفلته « جمانة » وحيدة، وقد تولى رعايتها جدها حتى توفي  بعد فترة قصيرة من وفاة والدتها، وانتقلت هذه الطفلة الى رعاية عمها « أيمن » والذى فاستشهد ايضاً بعد ذلك « ومن حينها بقيت جمانة » في رعاية جدتها المسنة الحاجة أم علاء، وكانت هي أمها الثانية.

ليلة صعبة مرت على جمانة كغيرها من طلبة الثانوية العامة خاصة أولئك الذين ينتظرون حاصد زرعهم وتفوقهم، تجمعت كل العائلة مع إشراقة شمس الخميس الجميع بانتظار النتيجة حتى بشرها بها عمها بحصولها على 93%  بالفرع العلمي بعد أن وصلته رسالة هاتفية، اختلطت دموع الفرح وعمت الأفراح أرجاء المنزل، تقول عن تفوقها لـ "قدس" الإخبارية: "تمنيت أن يكون أبي بجانبي في هذه اللحظة ليبشرني هو، ويأتي لاحتضاني وتهنئتي (..) كنت أتوقع الحصول على معدل 95% لكنني رضيت بالنتيجة وسأدرس طب الأسنان".

قطع حديثنا بعض الوافدين للتهنئة، توقفت برهة عن الكلام ثم أضافت: "يجب أن يكون للإنسان هدف ويجتهد، وكان هدفي  إفراح أبي ويكون فخورا بي بين الأسرى، وأحقق له أمله الوحيد بأن أصبح طبيبة كما تمنى".

وفاة مفاجئة

تقول عمتها هبة أبو جزر (30 عامًا)  لـ "قدس" الإخبارية عن طفولة جمانة بعد وفاة والدتها: "قمت بمساعدة أمي في تربيتها مع أخي محمد، وكانت من المفتوقين وحفظت القرآن الكريم كاملا وهي بالمرحلة الإعدادية".

أصيبت والدة جمانة وتدعى (ريم أبو جزر "19 عاما") بمرض الكبد الوبائي من الدرجة القاتلة، لم يمض على إصابتها بهذا المرض أكثر من أسبوع حتى فارقت الحياة في أوج انطلاقتها مع الحياة، تاركة ابنتها تصارع الحياة، وكانت هذه بداية الأحزان التي سكنت بيت عائلة أبو جزر منذ تلك اللحظة، فكان تفوق جمانة أول فرحة تدخل العائلة بعد سنوات من الحزن والفقد والحرمان.

"لقد تعبنا في تربية طفلة رضيعة في بداية الأمر كونها رفضت شرب الحليب الصناعي إلا من خلال الملعقة  (..) تعرضت للمرض نتيجة ذلك" هكذا كانت المراحل الأولى لجمانة كما تقول عمتها.

بلغت جمانة ثلاثة أعوام لا تدرك أن والدتها  تحت الثرى وأن القضبان الإسرائيلية تغيب والدها في عالم "المنسيين"، تكمل عمتها: " كانت أول زيارة لها للسجن بعمر ثلاث سنوات، لا زلت أذكر ذلك المشهد جيدا، لم يكن وقتها عازل زجاجي بل نوافذ حديدية فطلب  أخي الأسير رفع ابنته حتى يلمس شعرها إلا أن الجندي  الإسرائيلي رفض فبصقت الطفلة في وجهه غاضبة: "بدي أشوف بابا ليش بتنزلني" وإزاء ذلك حرمت من الزيارة لسبعة أعوام".

مواقف كثيرة تدور في وجدانها عن لحظات أسر شقيقها علاء، تنتقي واحد منه، فتقول: "في إحدى المرات زرت شقيقي برفقة أمي وطفلته جمانة، وكان قد طلب من سلطات سجون الاحتلال اللقاء مع عائلته، لكن الاحتلال سمح بإدخال والدته للغرفة المخصصة للمقابلة وحرمه من احتضان طفلته، وفي سن العاشرة سمح الاحتلال لها بزيارة والدها عدة مرات حتى بلغت سن 13 عاما ومنعت من الزيارة حتى اليوم.

"الوردة ليست لأمي"

مرت السنوات وكبرت جمانة فدخلت في رياض الأطفال، نظمت إدارة الروضة حفلا للأمهات وطلبت من كل طفلة أخذ وردة لأمها، حينها عرفت أن من تنادي لها بـ "أمي" هي جدتها، لم تمح الأيام ذلك المشهد من ذاكرة عمتها: "جاءت إلى البيت تسأل جدتها بجرأة: "الأطفال قالوا أن والدة أبي هي جدتي وليست أمي .. فكيف تكونين أمي"، حينها أخرجت أمي ألبوم الصور والذكريات وأخبرتها بقصة أمها وبمرضها فاستوعبت الأمر.

قامت أم علاء بتربية حفيدتها كإبنة،  تصف عمتها شدة هذا التعلق: "لم تكن جمانة تنام إلا بحضن جدتها، تنادي عليها حتى اليوم بـ "أمي" وكذلك احتضنت جدتها جمانة منذ طفولتها وتعلقت بها، قبل فترة أعطتها قلادة ذهبية بمناسبة حفظها للقرآن الكريم معلق به قلب ذهبي يفتح إلى نصفين كل جزء فيه مكتوب عليه اسمها واسم والدها".