شبكة قدس الإخبارية

"نور" ابنة الشهيد " رامي سعد": تمنيت لو بشرني أبي  بتفوقي

67376299_2369985643277692_8554062376603746304_n
يحيى موسى

غزة - خاص قدس الإخبارية: "كل الفتيات غمرنهن أباءهن بالفرحة، إلا أنا شدني الشوق إليك، أفتقدك اليوم لتكون بجانبي وتشاركني فرحتي  .. لقد تخرجت يا أبي، آاه؛ لو تعلم كم كنت أفتش في سيرتك وذاكرتك لأصنع ذلك الحلم الذي تريده، آاه؛ كم تمنيت أن تكون بجانبي لتبشرني بهذا المعدل".

رضيعة لم تتجاوز الثمانية أشهر، وحيدة ليس لها أخوة، هكذا عاشت نور رامي سعد بداية حياتها برفقة والدتها الفنانة التشكيلية ورسامة الكاريكاتير أمية جحا عندما استشهد والدها المجاهد في كتائب القسام وهو يتصدى لقوات الاحتلال التي ارتكبت مجزرة في حي الشجاعية عام 2003م، فأصابته رصاصات إحدى الدبابات الإسرائيلية بمنطقة الكبد استشهد على أثرها، اليوم تحصد نور من مدرسة دلال المغربي بحي الشجاعية نتاج ما زرعه والده وتتفوق بالثانوية العامة بمعدل 99% بالفرع العلمي، ولهذا التفوق قصة وحكاية.

تفتح نور قلبها في بداية حديثها مع "قدس"  الإخبارية معبرة عن فرحتها بتفوقها بالثانوية العامة قائلة: "كنت متوترة قبل إعلان النتائج لكن عندما وصلت الرسالة الهاتفية فرحت كثيرا".

حلم الطفولة

" أسير على خطاك لأرتقي أكثر" تخاطب روح والدها الذي تفتقد حضوره اليوم، تقول، إنها ستدرس الطب البشري فهذا التخصص عشقته منذ طفولتها، لأنها عايشت   الحروب الإسرائيلية المستمرة على القطاع وشاهدت ما يفتقره القطاع من خدمات صحية فكان هذا الدافع لحب التخصص.

تحد، وصمود، ومثابرة، ومواجهة، هي عناوين وشعارات رفعتها نور منذ بداية مرحلة الثانوية العامة، لتبرهن لكل من يظن أن الابن بدون والده لا يستطيع النجاح والتفوق:  "ربما فقدان الأب يؤثر على مناحي الحياة خاصة أنه كان سيساعدني لو كان موجدا بسبب تفوقه ودراسته لهندسة الحاسوب، لكن جعلت الفراق حافزا ودافعا للتقدم وكان قدوة لي طيفه معي في كل الأوقات: اللي خلف ما مات".

كيف جعلت الفقدان دافعا للتفوق؟ تجيب: "كنت دائما أفتش في سيرته وأسأل عنها، كنت مبهورة بثقافته وعلم أبي وفي خطاباته وأشعاره، حتى أني سرت على ذات الطريق وكنت دائما ألقي الشعر، ومن هنا تفجرت الطاقة بداخلي وبدأت طموحاتي  الدراسية ترتفع ".

ترى كيف كان نظامها الدراسي؟ لا تخفي في إجابتها أنها لم تختم المنهاج بالفصل الأول لكنها كانت تذاكر وتراجع الدروس أولا بأول، وأنها اجتهدت في الدراسة في آخرين شهرين حتى استطاعت ختم المنهاج ثلاث مرات، "لكن كانت تأتيني أحيانا لحظات إحباط من كثرة الضغط والتوتر نتيجة الدراسة فكنت أقوم بالتفريغ عن النفس بقراءة القرآن والجلوس على سطح المنزل أو التحدث مع عمتي .. نصيحتي للطلبة يجب أن يكون هدفك رئيسيا تخدم وطنك وترتقي بنفسك وليس هدفا ثانويا" هكذا كانت تتغلب على لحظات الإحباط.

حلم وعهد

"أنا على قناعة تامة  أن الله يتولى أبناء الشهداء برعايته (..) استشعرت هذا الأمر في كل مفاصل الحياة أغرس بابنتي أنها يجب أن تكون فخورة كونها ابنة شهيد وهذا تمييز رباني، أخبرها بأن لا تبكي كونها يتيمة الأب وحيدة ليس لها أخوة أحيانا كان يزعجها ذلك لكني كنت أذكرها بالنبي الكريم" بهذا استهلت والدتها أمية جحا حديثها لـ "قدس" الإخبارية.

تبدي فخرها بإبنتها تزاحمت الكلمات بمشاعر الفرح بعد هذا التفوق قائلة: "كانت ابنتي متفوقة طوال سنوات دراستها، لكن في البداية لم تكن تحصل من الخمسة الأوائل على صفها بمراحلها الدراسية وكان يؤلمها ذلك، إلا أنها اجتهدت في السنوات الأخيرة تحديدا بالثانوية العامة".

في هذه المرحلة قطعت نور عهدا على والدتها: "لا ولن تيأسي سوف أجعلك تفخرين والأمل الذي كنت تتمنينه ستحصدينه"، تعلق والدتها على ذلك الوعد: "اليوم حققت نور وعدها لي ولوالدها واستطاعت أن ترسم فرحة كبيرة لنا وتتفوق على نفسها وتفي بوعدها .. هذا التفوق أثلج قلبي كأم تفوقت كثيرا في دراستها".

شعور التفوق له طعم خاص بالنسبة لأمها لا يضاهيه أي نجاح أو تفوق مر عليها، تفصح سر هذا الشعور: "نور كانت صديقتي ورفيقتي تمثل لي كل شيء فهي التي خرجت بها في حياتي، أعول عليها كثيرا وكنت على ثقة أنه سيكون لها شأن كبير".

"امتلكت نور مواهب بالرسم وإلقاء الشعر والكتابة فحصدت الكثير من الجوائز، اختلطت المواهب لديها مني ومن أبيها" بهذه الكلمات أكملت حديثها عن سعادتها بتفوق ابنتها وانه كان له طعم خاص كونها استطاعت أن تكون قدوة لغيرها من أبناء الشهداء الذين تجرعوا مرارة الفقد والفراق.

تعود جحا بذاكرتها حينما كانت حامل بابنتها لا تنسى ما قاله لها زوجها حينها: "أتمنى أن يكون أول طفل ترزقينه بنتا" كلامه أثار استغرابها: "عجبا؛ كل الآباء يتمنون أن يرزقهم الله بولد"، لكنه رد عليها قائلا: إن" حياتك صعبة دائما مشغولة بعملك الفني وتحتاجين لمن يساعدك ويكون عونا لك فالبنت أقرب ما تكون لأمها".

كانت نور حلم أبيها، عاشت ثمان أشهر في حضنه لم تدركه أو تتذكر شيئا من تلك المرحلة في حياتها، اليوم تهدي نجاحها وتفوقها إليه وإلى كل فلسطيني يفتخر بهؤلاء الشباب الذين قدموا أرواحهم ودماءهم في سبيل تحرير فلسطين