شبكة قدس الإخبارية

"الطُّقّيع" الفلسطيني: "وجع رأس" الاحتلال

75
عبدالقادر عقل

خلال الانتفاضة الفلسطينية الثانية، وتحديداً من مخيم جنين، دخل سلاح المفرقعات الخدمة فعلياً. في نيسان/ أبريل 2002، وجد الأطفال والفتية أنفسهم جزءاً من معركة تخصّ وجودهم حرفياً؛ إذ كان العدو يستعدّ لاقتحام مخيمهم. بلغت التجهيزات الإسرائيلية ذروتها صبيحة الثاني من ذلك الشهر، ولذا استعدّ المقاومون ومعهم الفتية. «عندك شَرشيرت؟»، «ضل طُقّيع عمي؟».

 بهذه الأسئلة هرول العشرات باتجاه دكاكين المخيم لشراء كل قطعة مفرقعات، أيّاً كان نوعها. لم ينحصر استخدام هذا السلاح آنذاك في محاولة إرباك جنود نخبة العدو فحسب، بل كان له دورٌ رئيس في سدّ عجز إمكانات المقاومة.

يروي أحد الشبان الذين عايشوا تفاصيل المعركة، لـ«الأخبار»، كيف تمكنوا من تطويع المفرقعات. يقول: «ساعدتنا في صناعة العبوات المتفجرة (الأكواع)... الإغلاق الإسرائيلي للضفة المحتلة خلال عملية السور الواقي سبّب شُحّاً في الإمكانات، فلم يعد فتيل إشعال الأكواع متوافراً، وكان هناك نقص في المواد المتفجرة، لكن المفرقعات أسهمت في حلّ المشكلة جزئياً». يوضح الشاب، الذي كان طفلاً عام 2002، أن عدد الفتية غير المسلحين داخل المخيم كان كبيراً داخل المخيم، والمعركة احتاجت كل فرد، لذا ظهر آنذاك من أُطلق عليهم «أشبال الأكواع»، وهم وحدات نُظّمت ووُزّعت في أرجاء المخيم بنسقٍ مشابه لما فعله «أطفال الـRPG» في لبنان.

كانت مهمة هؤلاء إرباك العدو ورمي قواته الراجلة بالعبوات المصنعة محلياً (الأكواع)، التي تطورت لتحتوي على شظايا حديدية. بعد سنوات من معركة جنين، استخدم أبناء مخيم شعفاط في القدس المحتلة سلاح المفرقعات ببراعة، فأطلقه الشبان بكثافة على العدو، خلال الاحتجاجات على العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة بداية عام 2009.


لكن عام 2014 كان «زمن العزّ» للمفرقعات، إذ شهد تكثيفاً كبيراً لإطلاقها على مشاة جيش العدو وشرطته، وذلك خلال الهبّة الشعبية التي أعقبت جريمة حرق المستوطنين الفتى محمد أبو خضير. إبّان تلك المرحلة، صارت المفرقعات سلاحاً رئيساً يستخدمه الشبّان في المواجهات، إلى جانب السلاحَين الشعبيَّين الأساسيين (الحجارة والزجاجات الحارقة). أكسب هذا السلاح بعض البلدات ونقاط المواجهة الشهرة بمهارة استخدام شبانها له، وأبرزها في القدس المحتلة: قرية العيساوية، حاجز شعفاط، حاجز قلنديا، بلدة شعفاط، حيّ وادي الجوز، البلدة القديمة وأبواب المسجد الأقصى، بلدة سلوان.

وإذا كان للمفرقعات دورٌ محدَّد في جنين، حيث حوّلتها المقاومة إلى «أكواع» وفتيل تفجير، فإن شباب القدس المحتلة استخدموها بطريقة مغايرة. فقد صارت البؤر الاستيطانية الجديدة والمستوطنات في بلدات القدس وأحيائها، خاصة تلك القريبة من الأحياء التي يقطنها الفلسطينيون عامة، في مرمى نيران الشبان.

وجراء انتشار المفرقعات في القدس، وفي ظلّ تتالي مشاهد هرب الجنود أمام عدسات الكاميرات احتماءً منها، شرع العدو في خطوات لمكافحة السلاح الشعبي المستجد، بفرض غرامات مالية على تجار القدس مِمَّن يثبت بيعهم المفرقعات، ودهم المحالّ التجارية أو منازل الشبّان الذين يتاجرون بها. كذلك، وضعت وزارة العمل الإسرائيلية شروطاً لتقييد استيراد الألعاب النارية، بحيث لا يُسمح لأحد ببيعها أو الإتجار بها إلا باستصدار ترخيص رسمي، علماً بأنّ عدد الفلسطينيين في القدس والأراضي المحتلة عام 1948 مِمَّن يملكون هذا الترخيص قليل. وعلى رغم محاولات الاحتلال للقضاء عليها، فإن المفرقعات تصل إلى القدس والضفة عبر تجار إسرائيليين يملكون تصاريح، ولا اعتبار عندهم سوى الربح.

وجراء ما تسبّبه من أضرار للإسرائيليين، بلغ الأمر بالكنيست عام 2015 أنْ حظر استيراد المفرقعات كلياً لشهرين، بسبب «خطرها وكثافة استخدامها» مع اشتداد المواجهات. وجاء هذا القرار بناءً على طلب من وزيرَي الأمن الداخلي آنذاك، يتسحاق أهرونوفيتش، والاقتصاد نفتالي بينِت، على رغم أنّ الأخير لم يؤيد منع الاستيراد في البداية، لأن الأمر «يضرّ التجار الإسرائيليين». ونصّ الحظر على أن يسري منع المفرقعات التي تحمل من 9 غرامات إلى نصف كيلو غرام من المحتويات داخلها، وبقطر يبلغ من 20 إلى 40 ملم.

اليوم يتعاطى جنود العدو مع المفرقعات على أنها سلاح يُردّ على حامله بإطلاق النار مباشرة عليه وقتله. وهذا ما جرى مع الشهيد الأسير المحرر محمد عبيد، الذي تلقى رصاصة في قلبه لإطلاقه الألعاب النارية على الجنود في العيساوية قبل أيام.

المصدر: الأخبار