شبكة قدس الإخبارية

تقريرالشهيد أيمن حامد… فتى الحجارة وصاحب الأحلام

موقع2
شذى حمّاد

رام الله المحتلة – خاص قدس الإخبارية: "حسستني أنك رايح تستشهد" قال لصديقه أيمن ساخراً، قبل أن يعيد في ذهنه كلماته التي قالها، وقد أصيب بالذهول من نفسه: كيف قلتها؟ لا لا، لن يفعلها! فيما رد أيمن بابتسامة، قبل أن ينكز صديقه مستدعيه من سرحانه.

واصلا السير لهدفهما بعدما تأكدا أن صديقهم الثالث سيبقى بالمنزل ولن يلحق بهما، وقد أوصياه: "أمك لن تتحمل أن تصاب أو تستشهد.. يكفي اعتقال أخيك".

كان هذا قبل عام، رفاق الحجارة، السيجارة السرية.. رفاق الدراسة، الأمل والأحلام. ويواصل أيمن إلحاحه على "شلته" بالعودة لاكتمال عامهم الأخير في المدرسة، مهددهم أنه سيلحق بهم إن لم يلحقوا به، "أنت ذكي وشاطر.. كمل وأحمل الشهادة وفيها اشتغل البدك إياه"، نصحه صديقه.

على المنصة في حفل التخرج من الثانوية في مدرسة شهداء ذكور سلواد، كان مقعد أيمن الذي توسط زملائه، فارغاً، ملفوفاً بالعلم، لن ينهض عنه ويلوح لوالدته ايناس حامد (35 عاماً) كما تخيلت دوماً، وهو الذي كان يردد لها دوماً: "ستكون لي حفلة كبيرة".

WhatsApp Image 2019-05-13 at 11.24.50 PM (1)


 

اليوم الأخير

الجمعة 25كانون ثاني 2019، كان أيمن برفقة أسرته التي قررت استغلال الأجواء المشمسة للتنزه في منطقة "مشرية" التي تبعد كيلو واحد عن منزلها، وقد أعدت ايناس الغداء المفضل لابنها أيمن الأكبر بين أطفالها الستة، الذين لم تتخيل يوماً أن تفقد أحدهم، "تناولنا الغداء معاً، وأحضر أيمن الشوكولاتة ووزع على أشقائه.. وبعد ساعتين عدنا إلى المنزل، فيما عاد أيمن برفقة أصدقائه إلى ذات المنطقة "، تروي ايناس.

إلا أن أيمن (17عاماً) وأصدقائه لم يتوقعوا في هذا اليوم العادي، أن تكون جلستهم الأخيرة في المكان، فبعد ساعة من تواجد أيمن ومجموعة من أصدقائه في المنطقة، اقترب منهم ثلاثة من جنود الاحتلال وأطلقوا صوبهم النار، ليصاب أيمن برصاصة مباشرة في صدره ويسقط أرضاً، فيما هرب أصحابه من المكان وقد أصيب أحدهم في يده.

جنود الاحتلال احتجزوا أيمن، وبعد 15 دقيقة أعلنوا استشهاده، "كانت الشهادة دايما في باله، كان يتمناها.. لا نقول إلا الله يطعمها لكل مشتهي" يقول أحد أصدقائه. ويضيف آخر، "لم نستغرب استشهاده.. كلما كنا ننزل للمواجهات كان يترك هاتفه مع أحدنا، كان لديه شعور لا يحدثنا بصراحة عنه، ولكننا كنا نشعر فيه أيضا".

IMG_7822

 

شلة الأصدقاء المكونة من خمسة يرتدون نفس الملابس التي يشترونها سوياً كلما اقتربت مناسبة، نقصوا واحداً عزيزاً، لم يعد يزورهم حتى في الأحلام. ويتداول شعبياً أنه كلما بكيت على غائب لن تراه بحلمك أبداً، "نحن نهلوس بأيمن طيلة الوقت، نشعر أنه موجود في جلساتنا.. أراه يجلس بيننا ويقاسمنا السجائر، أنسى كثيراً أنه استشهد ولم يعد بيننا" يقول صديقه.

ايناس: طفلي كان معي قبل قليل

تتفقد ايناس دفاتر وكتب ابنها أيمن، ترى علامته المتفوقة، وتقرأ أمنياته التي كتبها على هامش كتبه ليشجع نفسه على إنهاء عامه الأخير في المرحلة الثانوية.

تترك ايناس الكتب ثم تفتح خزانته، لتشم رائحته التي ما زالت عالقة على ملابسه وأشيائه، فايمن لم يعد موجوداً، "وصلني الخبر الأول أنه تم اعتقال أيمن ثم أخبروني أنه أيمن استشهد.. طفلي كان قبل قليل برفقتي، كان بخير.. كان يخبرني عن حلمه بإكمال تعليمه الجامعي، كان يلعب مع أشقائه ويمازح والده".

WhatsApp Image 2019-05-13 at 11.24.33 PM

وتضيف ايناس، "كانت تشتد المواجهات يوم الجمعة، فكنت أجلس مع أيمن في المنزل وأحرص بشدة ألا يخرج.. كنت أخاف من اعتقاله كما يعتقلون أطفال البلدة، ولكني لم أتوقع أن يستشهد وأفقده للأبد".

طموحاً، حالماً، كان أيمن يخطط لمستقبله طوال الوقت، مرحاً يحب اللعب والمزاح، "كان يدرس بجد ويريد النجاح وكان يخطط لإقامة حفل كبير عندما يتخرج من الثانوية، وكان يقول دائما أريد أن أصبح شخصاً مهماً".

أما أصدقائه وقد كثرت "كان" بين أحاديثهم عن أيمن، يقولون، "كان أيمن بشوشاً، يمزح ويضحك طوال الوقت.. كان "ملسن" صاحب كلام مرتب، كان صاحب مسؤولية الكل يعتمد عليه حتى عندما اعتقلنا، كان يقوم بمهامنا"، ويشيرون إلى أن صديقهم أيمن كان يعتمد على نفسه ويحصل على مصروفه منذ سنوات من عمله بعد الدوام المدرسي وفي العطل، محاولاً التخفيف عن أسرته.

أحمد: تأملته في المرآة ولم أتوقع أنها الأخيرة

بجوار عمه الشهيد محمد عثمان حامد الذي ارتقى في انتفاضة الحجارة، وضع جثمان أيمن، حيث سيزوره والده أحمد (44عاماً) على الدوام، "بقيت أنظر إليه من مرآة السيارة عندما خرجنا.. ولكن لم أتوقع أن تكون هذه المرة الأخيرة التي يخرج أيمن برفقتنا، لم أتوقع أن أفقد ابني الأول هكذا وسريعاً".

أيمن كان يرتاد دروساً إضافية بعد المدرسة، وحصل خلال الفصل الدراسي الأولى على معدل 85%، وخطط برفقة والده للالتحاق بجامعة بيرزيت، "حسب معاينة الأطباء لجثمان أيمن، فقد أطلق النار عليه من مسافة 200 متر، وقد أصيب بأعلى صدره برصاصة قطعت شريان القلب وهتكت الكبد قبل أن تخرج من جسده وقد ألحق نزيفاً داخلياً حاداً"، يقول أحمد وقد افتقد في محنته شقيقه الأسيرين أكرم ورأفت الذين يقضيا أحكاماً بالسجن المؤبد، وأبناء أخوته الأسيرين محمد سهيل وإبراهيم عثمان الذين كان أيمن يحضر لاستقبالهم يوما ما قريب.

WhatsApp Image 2019-05-13 at 11.27.09 PM

أحمد لم يكن متواجداً بالمنطقة ويركض باحثاً عن طفله، إلا أنه في 23 تموز 2013 تمكن من إنقاذ جهاد حماد إثر إصابته برصاصتين أطلقها جنود الاحتلال، وكاد إثرها أن يفارق الحياة. يروي جهاد (20عاماً)، "خفنا فهربنا، إلا أن الجنود أطلقوا النار صوبي من مسافة لا تتعدى25- 30 متراً، أصبت برصاصة في رقبتي وأخرى في يدي.. وكلا الرصاصتين دخلت وخرجت مباشرة إلا أني أصبت بنزيف حاد".

ويضيف، "ساعدوني أصدقائي على الانسحاب من المكان ثم حضر أحمد عثمان ونقلني إلى مركز الطوارئ في البلدة ثم إلى المشفى في مدينة رام الله". فقد جهاد 80% من صوته إذا تسببت الرصاصة بحرق الأوتار الصوتية واختراق البلعوم، فيما عانى لشهور عدة من إصابته يده التي لم يستطع على تحريكها حتى أخضع لعلميات جراحية وعلاج طبيعي، إلا أن ألمه لم ينته، فرغم أن جهاد استعاد صوته، إلا أنه فقد منه 30%، ولا يزال يعاني من أوجاعاً في يده.

بالقرب من ذات المكان أيضا، أصيب إبراهيم راسم عثمان (20عاماً) – ابن عم الشهيد أيمن - برصاص أحد المستوطنين في 17 حزيران عام 2017، قبل أن يعتقله جيش الاحتلال، "عشنا ساعات صعبة للغاية.. كدت أن أصاب بالجنون خوفاً من فقدانه، وبعد يوم تمكن المحامي من زيارته، أبلغوه أن إبراهيم قد الاعتقال في مشفى هداسا"، تقول والدته علياء فارس حامد.

بعد ستة أيام من اعتقال إبراهيم، أخضع للمحاكمة في محكمة عوفر وقررت الإفراج عنه، إلا أنه وبعد 20 يوماً، اعتقلت قوات الاحتلال إبراهيم مجدداً وأخضع للتحقيق قاس لـ35 يوماً، أصدرت بحقه مؤخراً حكماً بالسجن 33 شهراً.

عاد من أُصيب في مشرية، ولم يعد أيمن، ولن.. وقد أكمل درب أعمامه، صغيراً، مقاوماً في الحجر، وبقيت أحلامه تكبر!!

WhatsApp Image 2019-05-13 at 11.24.35 PM