شبكة قدس الإخبارية

فلسطينيو الداخل... ما لنا ولانتخابات "الكنيست الإسرائيلي"؟

799
كريم عزب

نحن فلسطينيو الداخل، لطالما واجهنا وما زلنا نواجه حملة "أسْرَلَة" شعواء تسعى لصَهرنا وصَهر هويّتنا كرهاً أو طوعاً، بالعصى تارة والجزرة تارة أخرى. أمّا "العصى" الإسرائيلية فوقعها جليّ للجميع، بما فيه مصادرة أراضينا وهدم بيوتنا والتمييز ضدّنا بشكل ممنهج بكل نواحي الحياة من إسكان وفرص عمل وتخصيص ميزانيات وتخاذل وتعاون الأجهزة الاحتلال الأمنية مع عصابات الإجرام للمساهمة في تفشي الجريمة وانعدام السلم الأهلي في مدننا وقرانا.

لكن كل هذه السياسات وإن كانت بمنتهى الخطورة، إلّا أنها ولفظاظتها وعدوانيتها البالغة يسهل تشخيصها، مما يجعل الخطوة الأولى لعلاجها ومواجهتها أسهل. إلّأ أننا اليوم بصدد خطر بنفس المستوى، يكمن في "الجزرة" الأسرائيلية لأغرائنا بشرعنة أغتصاب أرضنا وسلب حقوقنا السياسيّة والقوميّة، من خلال التمثيل العربي الفلسطيني في الكنيست (البرلمان) الأسرائيلي، كمثال، تحت غطاء الواقعية السياسية والنضال من داخل المؤسسة.

لن أتطرّق في هذا المقال للفساد والمحسوبية والشخصنة والحزبيّة المتفشية بالأحزاب التي تعلو دائما على المصلحة العامة. ويكفي أن ننظر الى "فضيحة" التناوب ما قبل حلّ الدورة الحالية للكنيست والتوجّه الى الانتخابات الحالية لكي نفهم مدى تفكك الأحزاب العربية في الداخل الفلسطيني وبُعدها عن المطالب الجماهيرية لشعبنا في الداخل.

ولنا أيضًا بالتحالفات الأخيرة على شكل حزبين غير متجانسين، مثالاً صارخاً على أنّ من كانوا "انتهازيي" الأمس غدوا "رفاق" اليوم، وأنّ التقدمي القومي يتحالف من المحافظ الأسلامي، لا لسبب إلا الكرسي. أضف الى ذلك أن تركيبة القوائم تعتمد أساسًا على العلاقات الحمائلية أو الى التركيبة الجغرافية-المناطقية، أو التمثيل الطائفي المستتر أو كلها مجتمعة. فمن يا ترى ما زال مقتنعا حقا بأنها "إرادة شعب"؟.

في هذا المقال سنسلّط الضوء على الخطر المحدق في مشاركة الفلسطينيين في الكنيست الأسرائيلي، وهو يقع على ثلاث مستويات: الأول على المستوى الخدماتي، والثاني على نطاق الوعي العام والإعلام، والثالث على المستوى المبدئي (وهو الأهم).

أمّا على المستوى الخدماتي أو الفعالية البرلمانية، فأودّ بداية أن أعرض على حضراتكم بعض المعطيات أخذتها من موقع "الكنيست" عن الفعالية البرلمانية للأعضاء في الدورة البرلمانية السابقة (أربع سنين).

قمت بفحص عدد "اقتراحات القوانين" وعدد "القوانين" التي أقرّت (بالقراءات الثلاث) وأصبحت القوانين سارية المفعول، لكل عضو من النوّاب العرب بالقوائم غير صهيونية , وقد قمت بالبحث على أساس كون العضو "مقترح أول"، أي أن العضو هو صاحب المبادرة للقانون أو الاقتراح (وليس منضما لقانون أو اقتراح تقدم به غيره)، ولن أتطرق لفعالية الأعضاء كأفراد بل كمجموعة أو كتلة برلمانية (تلخيص النتائج في الصورة الأولى).

يتضح من المعطيات أن عدد اقتراحات القوانين التي تقدم بها الأعضاء العرب مجتمعين كان 468 من أصل 6684 اقتراحاً لكل أعضاء "الكنيست"، أي حوالي 7 وهو أقل من نسبة تمثيلهم بالكنيست (حوالي 10%). كذلك قدم كل عضو عربي اقتراحات قوانين بمعدل حوالي 28 اقتراحًا للعضو الواحد، وهو تقريبا نصف المعدل لأعضاء الكنيست بشكل عام.

هذا يدل على أن الفعالية البرلمانية للأعضاء العرب هي ما دون المعدل. لكن المعطى الأكثر أهمية، وإحباطاَ بنفس الوقت هو عدد الاقتراحات التي مرّت بالقراءات الثلاث وأصبحت قوانينا سارية المفعول: هنا نجد أن عدد القوانين التي بادر إليها الأعضاء العرب كانت 6 قوانين من أصل 624 (أقل من 1%, مقابل نسبتهم بالكنيست 10%), بمعدل 0.3 قانون لكل عضو عربي مقارنة بمعدل 5.2 قوانين لكل عضو كنيست بشكل عام. أي أن "نجاح الفعالية البرلمانية" للعضو العربي حوالي 1/20 مقارنة بالأعضاء الآخرين.

لا بد أن قسم من ذلك الاخفاق يعود لكون الأعضاء العرب بالمعارضة، ولكن فقط للمقارنة فأن أعضاء "الكنيست" من أحزاب يهودية معارضة مثل حزب العمل و"ميرتس" تميّزوا بفعالية برلمانية عالية مثل النائبة ميخائيلي التي فاقت فعاليتها البرلمانية كل الأعضاء العرب مجتمعين (بواقع 12 قانون)، وكذلك ثلاثة أعضاء من ميرتس (جالؤون، جيلؤون، وزاندبرج) فاقت فعاليتهم البرلمانية كل الأعضاء العرب مجتمعين (بواقع 8 قوانين).

بلا شك أن هناك "كسلاً برلمانياً" أو "تقصيراً" من طرف النوّاب العرب، لكن هذا ليس هو السبب الوحيد. السبب الأهم أن غالبية الاقتراحات التي يتقدم بها النواب العرب لا يتم التصويت عليها ولا تترجم لقوانين، وذلك عائد لاستثنائهم من دائرة صنع القرار لكونهم عرباً فقط لاغير. بسبب عنصرية المؤسسة الإسرائيلية وتعاملها معهم بفوقية وعنصرية واستخفاف.

ولنا مثالاً على ذلك في خطاب النائب زحالقة من على منبر الكنيست (بتاريخ 7-9-2015) ضد النائبة ستاف شبير وأتهامه لها أنها تتعامل مع العرب بعنجهية وفوقية، وهي من حزب العمل "اليساري", وعليه فقِسْ عنصرية الأحزاب اليمينية وأحتقارها للعرب بشكل عام. وقد بدت هذه السياسة جليا برفض أحزاب "اليسار" الإسرائيلي مراراً وتكرارًا ضم الأحزاب العربية للائتلاف الحكومي وبقائهم ككتلة "مانعة" خارج إطار الحكومة.

وقد فضّل رؤساء الحكومات "اليسارية" المختلفة سقوط حكوماتهم على إدخال الأحزاب العربية فيها، بما في ذلك رابين، وبيريس وباراك في الحكومات 25 (1995), 26 (1996) و28 (2000), على التوالي.

أضف الى ذلك أن نوعية القوانين التي يمررها النواب العرب تتصف بالعمومية غير مرتبطة بهموم ومشاكل الفلسطينيين بالداخل، ناهيك عن هموم شعبنا بشكل عام, مثل قانون "حماية النباتات - أضرار الماعز", ألهذا هم هناك فعلا؟ وعليه فإن الادعاء بضرورة وجود النواب العرب في "الكنيست" من منطلق خدماتي باطلة بالأرقام والمعطيات, بالأساس بسبب عنصرية المؤسسة الإسرائيلية التي تتجاهلهم بشكل ممنهج. فلماذا هم هناك إذاً؟

هذا ينقلنا الى المستوى الثاني وهو الوعي العام أو توصيل رسالتنا وقضيتنا الى الرأي العام المحلّي والعالمي.

بلا شك أن النوّاب العرب ظاهرة صوتية في الكنيست، مثلا تمزيقهم لأورق قانون القومية مصحوبا بحملة من الصراخ والضجة في القاعة وإخراجهم من الجلسة. لكن الحقيقة المُرّة أن قانون القومية مرّ رغم تمزيقهم للورق. إلا أنهم بذلك أثبتوا للعالم أجمع وأمام عدسات الكاميرات وبما لا يدع مجالا للشك أن هناك "ديموقراطية" إسرائيلية (وحيدة بالشرق الأوسط) تسمح للأعضاء العرب بالمعارضة والتعبير عن الرأي.

وهذا كان بالضبط فحوى أغلب الأخبار التي تناقلتها وسائل الإعلام الغربية بتعليقهم على الحادثة. ففي أغلب الأحيان التي يتم فيها الحديث عن النواب العرب يتم وصفهم كجزء لا يتجزّء من المنظومة السياسية الإسرائيلية الديموقراطية.

انظر الصورة الثانية، وفيها اقتباس لمثالين على تقديم الإعلام الغربي (مقابلات من شبكة NPR الحكومية الأمريكية) للنواب العرب وكيف نُقلت صورتهم على أنهم ضمن المنظومة الديموقراطية الإسرائيلية.

المثال الأول تعليقا على قانون القومية، يقول النائب الطيبي إنه بهذا القانون "ماتت الديموقراطية" الإسرائيلية، وكأنها قبل ذلك كانت واحة للديموقراطية، وقول النائب عودة إنه بعد هذا القانون "سأقول لأولادي... أن الدولة لا تريدنا هنا بعد اليوم" وكأنها كانت تريدنا قبل ذلك. ليس عندي شك أن هذا كان اقتباساً مقتطعاً، إلا أنه تم استغلالهم (بعلم أو بدون علم) "لتسويق" الديموقراطية الإسرائيلية.

المثال الثاني استغلال قبول استئناف النائبة زعبي في المحكمة العليا الإسرائيلية، بعد محاولة منعها من الترشّح، كدليل قاطع على تسامح وسعة صدر الديموقراطية الإسرائيلية.

فهل وجود النوّاب العرب بالكنيست فعلاً يخدم قضيتنا؟ أم أننا كمن يطلق النار على قدميه بتوفير الغطاء السياسي للعنصرية الإسرائيلية؟ ولا بد للتنويه أن أغلب النضالات السياسية الحقيقية للنواب وغيرهم من الناشطين في الداخل تجري خارج جدران "الكنيست"، مثل منع قانون "برافر" ومناهضة سياسة هدم البيوت ومصادرة الأراضي. فما الفائدة من وجودهم بالكنيست، مقابل الضرر؟

أمّا المستوى الثالث والأهم، فهو المستوى المبدئي: وهنا يجب التفريق ما بين التعاملات اليومية كالعمل في المصالح المختلفة والتعامل مع المؤسسات كمصلحة الضرائب وشرطة السير والدوائر الحكومية المختلفة، وهو فعل مفروض على الشخص بحكم المواطنة، وبين الانضمام إلى المؤسسة السياسية الإسرائيلية المتمثلة "بالكنيست" وهو الركن الأساسي بالمنظومة السياسية الإسرائيلية.

وكما تصف وثيقة "الاستقلال الإسرائيلية الكنيست" (في الصورة الثالثة) أنه تجمّع "أعضاء مجلس الشعب, ممثلي المجتمع اليهودي في أرض إسرائيل والحركة الصهيونية" وذلك "وبمقتضى حقّنا (اليهود) الطبيعي والتاريخي (على أرض فلسطين)... نعلن بذلك قيام دولة يهودية في أرض إسرائيل (فلسطين). (ما بين الأقواس إضافة مني للتوضيح).

إذاً، عندما يقْسِم النائب العربي الفلسطيني على وثيقة الاستقلال الإسرائيلية فإنه يعترف ضمنياً بحقّ الصهيونية التاريخي بأرض فلسطين، وأن الدولة القائمة هي دولة اليهود ولليهود.

وعلى فكرة، في هذه الفقرة لا يوجد أي ذكر لكون الدولة ديموقراطية، ولا لحماية الحقوق السياسية للفلسطينيين، أو كما يحلو لهم تسميتنا "الأقليات".

وما دمنا نعترف بحقهم التاريخي وبأنها دولة اليهود، فعلى ماذا النضال إذاً؟ فلنصوّت "لليكود" أو "إسرائيل بيتنا"!

لماذا لا نتعلم من التاريخ ودروس النضال الناجحة حول العالم؟ هل دخل غاندي النظام السياسي البريطاني في الهند لتحقيق الاستقلال؟ أم كوّن نطاماً سياسياً خارج منظومة الاستعمار؟ هل دخل نيلسون مانديلا برلمان "الأبرتهايد" الجنوب إفريقي وناضل من خلاله لكسر ذلك النظام العنصري؟ وهل انضم سيمون بوليفار للمنظومة السياسية الإسبانية, أم أقام كيانا سياسياً مستقلاً؟.

أم هل تحررت فرنسا من النازية بفعل حكومة فيشي التي انضمت للمنطومة السياسية النازية، أم من خلال تكوين حكومة ظل بقيادة ديغول؟ فلماذا ننضم نحن للمنظومة السياسية للمحتل؟ وهل هناك مثال واحد بالتاريخ انصهرت به أقلية أصلانية بنظام المحتل وحافظت على حقوقها؟ بالطبع لا! ومع هذا، فقد جرّبنا استراتيجية النضال من داخل المؤسسة الإسرائيلية لما يقارب السبعين عاماً.

والنتيجة... "مكانك سر" إن لم يكن "للخلف در". أليس حرياً بنا تجربة استراتيجيات أخرى؟ أليست مقاطعتنا لهذه المؤسسة هي الرسالة الأوضح والأقوى ضد العنصرية والتمييز والتطهير العرقي ضدنا؟.

الحل هو إقامة أطر سياسية موازية للمؤسسات السياسية الإسرائيلية، كتفعيل لجنة المتابعة العربية وانتخاب أعضائها بشكل مباشر وتشكيل "حكومة ظل"، مدعومة بمؤسسات حقوقية وجمعيات مجتمع مدني ُتعنى بتتبع مصالحنا أمام المؤسسة الإسرائيلية. وهذا موضوع لمقال آخر.