شبكة قدس الإخبارية

عيد خلف القضبان.. التضحية بزهرة العمر لأجل مقاومة المحتل

ديالا الريماوي

فلسطين المحتلة - خاص قُدس الإخبارية: في صبيحة العيد، لم تُسمع أصوات ضحكاتهم، أو قفزاتهم على السرير فرحا، ولم تعلو أصواتهم طالبين من أمهاتهم مساعدتهم في ارتداء الملابس، حتى كعك العيد لا طعم ولا رائحة له في منازلهم، فكيف يكون للفرح مكانا ونحو 300 طفل يقضون عيد الأضحى خلف قضبان الأسر!

"سامحيني يما عشان أنا مش معكم، سامحيني وأنا بعرف أنه العيد رح يمر ثقيل عليكِ وعلى أخوتي، فرحتكم بتكون منقوصة، بس لما أطلع رح أعوضك عن كل اللي راح". من خلف الجدار الزجاجي في سجن "هشارون"، وجهت الأسيرة الطفلة ملك سلمان كلماتها لوالدتها في أخر زيارة لها قبل نحو أسبوع.

عشرة أعوام من حكمها الصادر بحقها، مرّ منها عام ونصف، وخلالها حلّت 4 أعياد أمضتها ملك سلمان (17 عاما) خلف قضبان السجن، ليحرمها الاحتلال من عائلتها ومشاركتهم فرحة العيد.

فاتنة سلمان، والدة الأسير ملك، وخلال حديثها لـ "شبكة قدس" لم تجف دمعتها، فهي منذ اليوم الأول لعيد الأضحى تبكي لغياب ملك القسري عن منزلها في مدينة القدس المحتلة، تفكر كيف أمضت طفلتها العيد بعيدا عنهم، وماذا فعلت عندما استيقظت صباح العيد.

قبل اعتقالها، اعتادت ملك وهي الابنة البكر لفاتنة ومحمد سلمان، أن تقوم بشراء الملابس لأشقائها وشقيقتها، كما كانت ترفض أن يساعد أي شخص والدتها في إعداد كعك العيد سواها.

في الأعياد السابقة، كانت ملك ما أن تستيقظ حتى تهرول نحو غرفة والديها، وتبدأ بمناداة والدتها "فتون"، تقفز صوبها تحضنها وتقبّلها وتهنئها بالعيد، ومن ثم تتجه نحو غرفة أشقائها وتساعدهم في ارتداء الملابس، ومن تم ترتدي هي ملابسها.

منذ اعتقالها، لم تعد والدة الأسيرة ملك كعك العيد، ولم تشعر بفرحته إذ كان يمر كأي يوم أخر، بل كانت تتمنى أن لا يحل هذا اليوم أو ينتهي سريعا، ففي أول عيد فطر حلّ بعد اعتقال ملك أمضت والدتها اليوم تجلس في غرفتها وتحمل زيها المدرسي.

تقول والدة ملك لـ "قدس الإخبارية"، "شعرت أن ملك كبرت 10 سنوات، فهي لم تعد تلك الطفلة التي كانت تصنع الفرح في الأعياد السابقة، أصبحت أكثر هدوءا، كانت تحاول في آخر زيارة لنا قبل العيد أن تمدني بالقوة والأمل، لكنني رأيت الحزن بعينيها".

مؤبد.. وأمل بالحرية

في الأسر، ما زال الأطفال لديهم بصيص أمل بأنهم سيتحررون قبل انتهاء محكوميتهم، لا سيما من حكم الاحتلال عليهم بالسجن 6 سنوات وأكثر، أما صاحب المؤبد فهو ما زال مؤمنا بأن أبواب السجن لن تبقى مغلقة على أحد.

الأسير الفتى مراد ادعيس (17 عاما) من الخليل، أمضى 4 أعياد بعيدا عن عائلته، ويعلق مراد أملًا كبيرًا على أن يكمل باقي أعياد حياته مع أسرته بعد صفقة تبادل مع المقاومة ويتحرر فيها، فالاحتلال حكم عليه بالسجن المؤبد بتهمة قتل مستوطنة في مستوطنة "عتنئيل" العام الماضي.

في سجن "مجدو" العيد لا تتجاوز مدته بضعة ساعات، وفيها يبدأ الأسرى بالتكبير وأداء صلاة العيد، ويتناولون كعك العيد الذي أعدوه بما توفر لهم من مواد وأدوات، ويبدأ الأسرى بتهنئة بعضهم وزيارة الأقسام الأخرى بالسجن، ليمضي بعدها الأسير يومه كما كل يوم، تلك التفاصيل تحدث بها مراد لعائلته خلال زيارته مسبقا.

"مراد قبل اعتقاله كان يرفض أن يذهب إلى الحلاق، وينتظر حتى أخر يوم قبل العيد رغم الأزمة، فهو كان يحب تلك الأجواء، وفي صبيحة العيد يستيقظ مبكرا ليسمع تكبيرات العيد"، تقول والدة مراد لـ"قدس الإخبارية".

ذكريات المكان كانت تعيد لأذهان عائلة عبدالله ادعيس تفاصيل جميلة لنجلهم مراد خلال الأعياد، لكن حتى تلك أراد الاحتلال أن يبعثرها، إذ تم هدم منزل العائلة الذي كان فيه مراد صبيحة كل عيد أضحى يقفز هربا من الأضحية بينما تتعالى ضحكات أفراد عائلته.

تقول والدة مراد لـ "قدس الإخبارية"، "كان مراد يحب شراء البنادق خلال الأعياد، فمنذ صغره عندما كنت اصطحبهم لشراء العاب، كان أخوته يشترون سيارات إلا هو يختار بندقية".

في أخر زيارة له قبل نحو ثلاثة أسابيع، تجنب مراد أن يذكر رغبته بالتواجد بين أفراد عائلته خلال العيد، إذ كان يشد من أزر والده ويطمئنه بأنه بخير ولا ينقصه شيئا، ففي الأعياد السابقة كان يخبرهم بأن العيد في الأسر كما في الخارج، رغم معرفة والده بأن الحقيقة عكس ذلك.

العيد عبر الهاتف!

شادي فراح (13 عاما)، الطفل الأنيق الذي يهتم دوما بأن يبقى جميلا، حتى في أسره يحاول أن يبقى في ذات المظهر، ففي كل عيد يطلب من والدته أن تقوم بشراء الملابس له وإرسالها إلى مركز "الفنار" في طمرة، وهو مركز أحداث يقبع فيه الأسرى الأطفال من مدينة القدس المحتلة ممن تقل أعمارهم عن 14 عاما.

في كل عيد اعتادت فريهان فراح، والدة شادي، أن تصطحب أبناءها إلى مدينة الملاهي أو السينما، لكنها وبعد اعتقال نجلها لم تصطحبهم إلى أي مكان.

قبل حلول العيد، اعتاد شادي أن يخرج مع والدته لشراء ملابس العيد، إذ كان يتشري ملابس رسمية وما أن يعود إلى المنزل حتى يخبأها في خزانته، وفي صبيحة يوم العيد كان يستيقظ قبل صلاة العيد ويوقظ كل أفراد العائلة، وما أن يصل غرفة الديه حتى يقف فوق رأس والدته ويقبّل جبينها ويهنئها بالعيد.

تقول والدة شادي لـ "قدس الإخبارية"، "قبل اعتقاله، كان شادي يحب أجواء الفرح ويساعدني في إعداد كعك العيد، كنا نذهب لأداء صلاة العيد في الأقصى، لكن الأعياد التي مرّت وهو ليس معنا كانت صعبة جدا، لا سيما عندما أرى أطفالي وشادي ليس بينهم".

خلال فترة العيد، هاتف شادي عائلته إذ يسمح له بإجراء مكالمة هاتفية، وتحدث مع والدته قائلا: "كل عام وأنتِ بخير ماما، ما تخافي علي أنا مبسوط"، فوالدته التي شعرت أن طفلها كبر قبل أوانه، تدرك أنه يحاول أن يخفي حزنه ويشد من أزرها.